فصل 
حركات العباد بقلوبهم وأبدانهم لا بد لها من غاية هي المقصود ، ولا بد لها من وسيلة إلى ذلك المقصود . فالمقصود هو الله ، والوسيلة رسول الله ، فجماع الأمر في شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا عبده ورسوله . 
أما الأول فقال الله تعالى : 
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون  [الذاريات :56] ، فلا معبود إلا هو ، لا إله إلا هو ، والمعبود الإله هو الذي يقصد لنفسه ، فتبتغي إليه الوسيلة ؛ أو تقصده لنفسك ، فترجوه وتخافه ، كما قال تعالى : 
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا  [الإسراء :57] . فالرجاء لجلب المنفعة ودفع المضرة رزقا ونصرا ، والخوف من حصول المضرة وزوال المنفعة . وهذا لا بد للبشر منه ، وإذا عبدته لنفسه وأحببت ذاته فتلك منفعة تصل إليك ، وأنت ترجوه أن يعطيكها وتخاف أن يسلبكها ، وذلك مجتمع في قوله : 
إياك نعبد وإياك نستعين  [الفاتحة :5] . 
وقد ذكرت في غير هذا الموضع أن العبادة متضمنة للخوف ، وأن الاستعانة متضمنة للرجاء . وهذا صحيح باعتبار ، وأما باعتبار [آخر] فالعبادة هي ابتغاء الوسيلة إليه والتقرب إليه ، وأما الاستعانة ففيها رجاء  
[ ص: 28 ] رحمته وخوف عذابه ، لأن الراجي يأمل إعانة الله له على نيل مطلوبه ودفع مرهوبه . والخوف متضمن للرجاء ، لأن الخائف إن لم يرج السلامة لم يكن خائفا ، بل آيسا قانطا ، وكذلك الراجي إن لم يخف الفوت لم يكن راجيا بل آمنا . ولهذا قال : 
ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون  [الحجر :56] ، وقال : 
إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون  [يوسف :87] ، وقال : 
فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون  [الأعراف :99] . 
فثبت أن 
كل خوف فإنه مستلزم للرجاء ، وكل رجاء فإنه مستلزم للخوف ، لكن قد يغلب أحدهما ، والكمال هو الاعتدال  . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل   : ينبغي أن يكون خوف العبد ورجاؤه سواء ، فإذا زاد أحدهما على صاحبه هلك . لكن الرجاء يتعلق بالحبيب المطلوب ، والخوف يتعلق بالمكروه ، بمنزلة الأمر والنهي ، وإن كان كل منهما مستلزما للآخر ، إذ الأمر بالشيء نهي عن ضده ، والنهي عن الشيء أمر بما لا بد لخلقه من أضداده . فكل راج أو خائف يجب أن يكون مستعينا . 
وهذه العبادات القلبية هي مما يجب فيها الإخلاص لله ، فلا يجوز أن يفعل لا للملائكة ولا للبشر ، لا للنبيين ولا للصالحين ، خلاف ما عليه المشركون ومن ضاهاهم من النصارى ، وما عليه هذه الأمة من الرافضة وبعض المتصوفة والمتفقرة والمتفقهة ، والله أعلم .  
[ ص: 29 ]