سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
وفي حديث أم جندب الأزدية أنه الفضل بن العباس ، رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والبيهقي فإنهما كانا يتناوبان .

قلت : وروى مسلم وابن سعد والبيهقي عن جابر قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على راحلته يوم النحر» ويقول لنا : «خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» ، وفي حديث أم جندب : فازدحم الناس فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف» ، ورأيت بين أصابعه حجرا فرمى ورمى الناس» .

وفي حديث حذافة بن عبد الله العلائي أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رمى جمرة العقبة في بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء ، لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك .

قلت : «ولم يقف عند جمرة العقبة ، ثم رجع إلى منى فخطب الناس خطبة بليغة» .

وروى الإمام أحمد ، عن عبد الرحمن بن معاذ ، عن رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الناس بمنى وأنزلهم منازلهم ، فقال : «لينزل المهاجرون هاهنا» وأشار إلى يمين القبلة ، «والأنصار هاهنا» وأشار إلى ميسرة القبلة ، «ثم لينزل الناس حولهم» ، وعلمهم مناسكهم ، ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم .

قال ابن كثير : ولست أدري أكانت قبل ذهابه إلى البيت ، أو بعد رجوعه منه إلى منى ؟ .

قلت : جزم- صاحب الهدي : «بأنها كانت قبل ذهابه إلى البيت ، وكان عمرو بن خارجة تحت جران ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهي تقصع بجرتها وإن لعابها ليسيل بين كتفيه قال الحافظ : قال بعض الشراح : إنه بلال ، والصواب : أنه أبو بكرة- فقال- صلى الله عليه وسلم- وهو على ناقته العضباء بعد أن حمد الله وأثنى عليه : «إلا أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض ، والسنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم . ثلاث متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ألا أي ، وفي رواية : ألا تدرون ، وفي رواية : أتدرون أي يوم هذا ؟ » قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال : «أليس هذا يوم النحر ؟ » قلنا : بلى ، قال : «أي شهر هذا ؟ » قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى [ ص: 476 ] ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : «أليس ذو الحجة ؟ » قلنا : بلى ، قال : «فأي بلد هذا ؟ » قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . قال : «أليس البلدة ؟ » قلنا : بلى . قال فإن دماءكم وأموالكم- قال محمد- وأحسبه قال : وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه» ، ثم قال : «ألا هل بلغت ؟ » قلنا : نعم ، قال : «اللهم فاشهد» . رواه الإمام أحمد والشيخان .

وروى الإمام أحمد ، والبخاري ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم النحر ، فقال : «أيها الناس : أي يوم هذا ؟ قالوا يوم حرام ، قال : فأي بلد هذا ؟ قالوا بلد حرام ، قال : فأي شهر هذا ؟ قالوا : شهر حرام ، قال : «فإن دماءكم ، وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ، في شهركم هذا» . فأعادها مرارا ، ثم رفع رأسه [إلى السماء] فقال : «اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت ؟ » .

وروى الشيخان نحوه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع : «ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة ؟ » قالوا شهرنا هذا ، قال : « ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة ؟ » قالوا : بلدنا هذا ، قال : « ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة ؟ » قالوا : يومنا هذا ، قال : «فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، ألا هل بلغت ثلاثا ؟ » كل ذلك يجيبونه ألا نعم قال : «ويحكم أو قال : ويلكم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» .

ثم انصرف إلى النحر بمنى ، فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده بالحربة وكان ينحرها قائمة معقولة اليسرى وكان عدد هذا الذي نحره عدد سنين عمره- صلى الله عليه وسلم- ثم أمسك وأمر عليا أن ينحر ما بقي من المائة ، ثم أمره أن يتصدق بجلالها وجلودها ولحومها ، في المساكين ، وأمره أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئا منها ، وقال : «نحن نعطيه من عندنا ، وقال : من شاء اقتطع» .

قلت : في حديث ابن جريج عن جعفر بن محمد عن جابر ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر ، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها والله تعالى أعلم .

قال ابن جريج : قلت من الذي أكل مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وشرب من المرق ؟ قال جعفر : [ ص: 477 ] علي بن أبي طالب أكل مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وشرب من المرق .

وقول أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نحر بيده سبع بدن قياما .

حمله أبو محمد- رحمه الله تعالى- على أنه- صلى الله عليه وسلم- لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين ، ثم زال عن ذلك المكان ، وأمر عليا فنحر ما بقي ، أو أنه لم يشاهد إلا نحره- صلى الله عليه وسلم- سبعا فقط بيده ، وشاهد جابر تمام نحره- صلى الله عليه وسلم- للباقي ، فأخبر كل واحد منهما بما رأى وشاهد ، وأنه- صلى الله عليه وسلم- نحر بيده مفردا سبع بدن كما قال أنس ثم أخذ هو وعلي الحربة معا فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين كما قال عروة بن الحارث الكندي أنه شاهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ أخذ بأعلى الحربة ، وأمر عليا فأخذ بأسفلها ، ونحرا بها البدن ، ثم انفرد علي بنحر الباقي من المائة كما قال جابر .

وحديث عبد الله بن قرط- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرب له بدنات خمس فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ ، فلما وجبت جنوبها ، تكلم بكلمة خفية لم أفهمها .

فقلت : ما قال ؟ قال من شاء اقتطع لا يلزم منه أنه نحر خمسا فقط ، فإن المائة لم تقرب إليه جملة ، وإنما كانت تقرب إليه أرسالا ، فقرب منها خمس بدنات رسلا ، وكان ذلك الرسل يبادرن ويتقربن إليه ، لكي يبدأ بكل واحدة منهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية