الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أم جندب الأزدية أنه الفضل بن العباس ، رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والبيهقي فإنهما كانا يتناوبان .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : وروى مسلم وابن سعد والبيهقي عن جابر قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على راحلته يوم النحر» ويقول لنا : «خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» ، وفي حديث أم جندب : فازدحم الناس فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف» ، ورأيت بين أصابعه حجرا فرمى ورمى الناس» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث حذافة بن عبد الله العلائي أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رمى جمرة العقبة في بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء ، لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : «ولم يقف عند جمرة العقبة ، ثم رجع إلى منى فخطب الناس خطبة بليغة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، عن عبد الرحمن بن معاذ ، عن رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الناس بمنى وأنزلهم منازلهم ، فقال : «لينزل المهاجرون هاهنا» وأشار إلى يمين القبلة ، «والأنصار هاهنا» وأشار إلى ميسرة القبلة ، «ثم لينزل الناس حولهم» ، وعلمهم مناسكهم ، ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن كثير : ولست أدري أكانت قبل ذهابه إلى البيت ، أو بعد رجوعه منه إلى منى ؟ .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : جزم- صاحب الهدي : «بأنها كانت قبل ذهابه إلى البيت ، وكان عمرو بن خارجة تحت جران ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهي تقصع بجرتها وإن لعابها ليسيل بين كتفيه قال الحافظ : قال بعض الشراح : إنه بلال ، والصواب : أنه أبو بكرة- فقال- صلى الله عليه وسلم- وهو على ناقته العضباء بعد أن حمد الله وأثنى عليه : «إلا أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض ، والسنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم . ثلاث متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ألا أي ، وفي رواية : ألا تدرون ، وفي رواية : أتدرون أي يوم هذا ؟ » قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال : «أليس هذا يوم النحر ؟ » قلنا : بلى ، قال : «أي شهر هذا ؟ » قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى [ ص: 476 ] ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : «أليس ذو الحجة ؟ » قلنا : بلى ، قال : «فأي بلد هذا ؟ » قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . قال : «أليس البلدة ؟ » قلنا : بلى . قال فإن دماءكم وأموالكم- قال محمد- وأحسبه قال : وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه» ، ثم قال : «ألا هل بلغت ؟ » قلنا : نعم ، قال : «اللهم فاشهد» . رواه الإمام أحمد والشيخان .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والبخاري ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم النحر ، فقال : «أيها الناس : أي يوم هذا ؟ قالوا يوم حرام ، قال : فأي بلد هذا ؟ قالوا بلد حرام ، قال : فأي شهر هذا ؟ قالوا : شهر حرام ، قال : «فإن دماءكم ، وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ، في شهركم هذا» . فأعادها مرارا ، ثم رفع رأسه [إلى السماء] فقال : «اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت ؟ » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان نحوه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع : «ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة ؟ » قالوا شهرنا هذا ، قال : « ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة ؟ » قالوا : بلدنا هذا ، قال : « ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة ؟ » قالوا : يومنا هذا ، قال : «فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، ألا هل بلغت ثلاثا ؟ » كل ذلك يجيبونه ألا نعم قال : «ويحكم أو قال : ويلكم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» .

                                                                                                                                                                                                                              ثم انصرف إلى النحر بمنى ، فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده بالحربة وكان ينحرها قائمة معقولة اليسرى وكان عدد هذا الذي نحره عدد سنين عمره- صلى الله عليه وسلم- ثم أمسك وأمر عليا أن ينحر ما بقي من المائة ، ثم أمره أن يتصدق بجلالها وجلودها ولحومها ، في المساكين ، وأمره أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئا منها ، وقال : «نحن نعطيه من عندنا ، وقال : من شاء اقتطع» .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : في حديث ابن جريج عن جعفر بن محمد عن جابر ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر ، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن جريج : قلت من الذي أكل مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وشرب من المرق ؟ قال جعفر : [ ص: 477 ] علي بن أبي طالب أكل مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وشرب من المرق .

                                                                                                                                                                                                                              وقول أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نحر بيده سبع بدن قياما .

                                                                                                                                                                                                                              حمله أبو محمد- رحمه الله تعالى- على أنه- صلى الله عليه وسلم- لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين ، ثم زال عن ذلك المكان ، وأمر عليا فنحر ما بقي ، أو أنه لم يشاهد إلا نحره- صلى الله عليه وسلم- سبعا فقط بيده ، وشاهد جابر تمام نحره- صلى الله عليه وسلم- للباقي ، فأخبر كل واحد منهما بما رأى وشاهد ، وأنه- صلى الله عليه وسلم- نحر بيده مفردا سبع بدن كما قال أنس ثم أخذ هو وعلي الحربة معا فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين كما قال عروة بن الحارث الكندي أنه شاهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ أخذ بأعلى الحربة ، وأمر عليا فأخذ بأسفلها ، ونحرا بها البدن ، ثم انفرد علي بنحر الباقي من المائة كما قال جابر .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عبد الله بن قرط- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرب له بدنات خمس فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ ، فلما وجبت جنوبها ، تكلم بكلمة خفية لم أفهمها .

                                                                                                                                                                                                                              فقلت : ما قال ؟ قال من شاء اقتطع لا يلزم منه أنه نحر خمسا فقط ، فإن المائة لم تقرب إليه جملة ، وإنما كانت تقرب إليه أرسالا ، فقرب منها خمس بدنات رسلا ، وكان ذلك الرسل يبادرن ويتقربن إليه ، لكي يبدأ بكل واحدة منهن .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية