سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثاني في بعض مناقب سيدنا حمزة رضي الله تعالى عنه

وفيه أنواع :

الأول : في وقت إسلامه .

أسلم حمزة -رضي الله تعالى عنه- قديما في السنة الثانية من المبعث .

وقال ابن الجوزي : كان بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم في السادسة .

وروى ابن عساكر أنه يوم ضرب أبو بكر ، حين ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبل إسلام عمر بثلاثة أيام . وتقدم سبب إسلامه ، وحسن بلائه في غزوة أحد ، ومقتله ، وتقدم في السرايا أن أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين كانت لحمزة -رضي الله تعالى عنه- عز بإسلامه الإسلام ، وكفت قريش عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما كانوا ينالون منه؛ خوفا من حمزة -رضي الله تعالى عنه- وعلما منهم أنه سيمنعه ، وكان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخاه من الرضاعة ، وأم كل منهما ابنة عم أم الآخر .

الثاني : أنه أسد الله تعالى ، وأسد رسول الله صلى الله عليه وسلم

روى الطبراني مرسلا برجال الصحيح عن عمير بن إسحاق -رحمه الله تعالى- قال :

كان حمزة يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين ، ويقول : أنا أسد الله وأسد رسوله .

وروى الطبراني برجال الصحيح -غير يحيى وأبيه فيحرر حالهم- عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة ، عن أبيه عن جده . والبغوي في معجمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "والذي نفسي بيده ، إنه مكتوب عند الله -عز وجل- في السماء السابعة : حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله" .

وروى الحاكم وابن هشام عن محمد بن عمر عن شيوخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أتاني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السماوات" ، ولفظ ابن هشام : "وحمزة مكتوب في السماوات السبع أسد الله وأسد رسوله" .

الثالث : أنه خير أعمامه صلى الله عليه وسلم

روى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة ، وأبو نعيم عن عابس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير أعمامي حمزة" .

وروى الديلمي عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير إخوتي علي ، وخير أعمامي حمزة" .

[ ص: 91 ] الرابع : في أنه سيد الشهداء رضي الله تعالى عنه

روى الطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس ، والطبراني في "الكبير" عن علي ، والخلعي عن ابن مسعود ، والديلمي والحاكم والخطيب والضياء عن جابر -رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "سيد" ولفظ الديلمي "خير الشهداء" ولفظ جابر "عند الله" وفي لفظ "يوم القيامة حمزة" .

زاد ابن عباس وابن مسعود وجابر "ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" .

الخامس : في شهادته -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة ، رضي الله تعالى عنه

روى ابن عمر عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "دخلت البارحة الجنة فإذا حمزة مع أصحابه" رضي الله تعالى عنهم .

السادس : في آية نزلت فيه .

روى السدي في قوله تعالى : أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه [القصص : 61] أنها نزلت في حمزة .

وروى السلفي عن بريدة -رضي الله تعالى عنه- في قوله تعالى : يا أيتها النفس المطمئنة [الفجر : 27] قال حمزة : في .

السابع : في شدة حزنه -صلى الله عليه وسلم- حين قتل

روى أبو الفرج بن الجوزي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد ، فنظر إلى شيء ، لم ينظر إلى شيء كان أوجع لقلبه منه ، وقد تقدم في غزوة أحد ما يغني عن الإعادة .

الثامن : في تغسيل الملائكة له رضي الله تعالى عنه

روى الطبراني بسند حسن ، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : أصيب حمزة بن عبد المطلب وحمزة بن الراهب وهما جنب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رأيت الملائكة تغسلهما" .

وروى الحاكم وقال : صحيح الإسناد عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن حمزة قتل جنبا فغسلته الملائكة .

التاسع : في كفنه رضي الله تعالى عنه

روى أبو يعلى واللفظ له برجال الصحيح عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : لما كان يوم أحد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة وقد جدع أنفه ، ومثل به فقال : "لولا أن تجد صفية في [ ص: 92 ] نفسها لتركته ، حتى يحشره الله من بطون السباع والطير" فكفن في نمرة ، إذا خمر رأسه بدت رجلاه ، وإذا خمر رجلاه بدت رأسه .

وروى الطبراني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : لما قتل حمزة بن عبد المطلب -رضي الله تعالى عنه- كان عليه نمرة ، وكان هو الذي أدخله في قبره ، وكان إذا غطى بها رأسه خرجت قدماه ، وإذا غطى قدميه خرج رأسه ، فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يغطي رأسه ، وأن يأخذ شجرا من هذا العلجان فيجعله على رجله .

العاشر : في سنه يوم قتل ، ووصيته إلى زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما

كان سنه يوم قتل تسعا وخمسين سنة ، ودفن هو وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد .

الحادي عشر : في ولده رضي الله تعالى عنه

له من الولد ذكران وأنثى ، عمارة وأمه خولة بنت قيس بن مالك بن النجار الأنصارية الخزرجية ، ويعلى ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل واحد منهما أعوام ، ولم تحفظ لواحد منهما رواية ، واسم الأنثى أمامة كما ذكره ابن الجوزي ، وقال ابن قتيبة : يقال لها : أم أبيها ، أمها زينب بنت عميس الخثعمية ، وهي التي اختصم في حضانتها علي وجعفر وزيد ، فقال علي : ابنة عمي ، وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي ، وقال زيد : ابنة أخي ، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الخالة بمنزلة الأم" رواه البخاري .

وكانت أحسن فتاة في قريش ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

[ ص: 93 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية