الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني في بعض مناقب سيدنا حمزة رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في وقت إسلامه .

                                                                                                                                                                                                                              أسلم حمزة -رضي الله تعالى عنه- قديما في السنة الثانية من المبعث .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الجوزي : كان بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم في السادسة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر أنه يوم ضرب أبو بكر ، حين ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبل إسلام عمر بثلاثة أيام . وتقدم سبب إسلامه ، وحسن بلائه في غزوة أحد ، ومقتله ، وتقدم في السرايا أن أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين كانت لحمزة -رضي الله تعالى عنه- عز بإسلامه الإسلام ، وكفت قريش عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما كانوا ينالون منه؛ خوفا من حمزة -رضي الله تعالى عنه- وعلما منهم أنه سيمنعه ، وكان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخاه من الرضاعة ، وأم كل منهما ابنة عم أم الآخر .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنه أسد الله تعالى ، وأسد رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني مرسلا برجال الصحيح عن عمير بن إسحاق -رحمه الله تعالى- قال :

                                                                                                                                                                                                                              كان حمزة يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين ، ويقول : أنا أسد الله وأسد رسوله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال الصحيح -غير يحيى وأبيه فيحرر حالهم- عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة ، عن أبيه عن جده . والبغوي في معجمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "والذي نفسي بيده ، إنه مكتوب عند الله -عز وجل- في السماء السابعة : حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم وابن هشام عن محمد بن عمر عن شيوخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أتاني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السماوات" ، ولفظ ابن هشام : "وحمزة مكتوب في السماوات السبع أسد الله وأسد رسوله" .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : أنه خير أعمامه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة ، وأبو نعيم عن عابس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير أعمامي حمزة" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الديلمي عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير إخوتي علي ، وخير أعمامي حمزة" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 91 ] الرابع : في أنه سيد الشهداء رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس ، والطبراني في "الكبير" عن علي ، والخلعي عن ابن مسعود ، والديلمي والحاكم والخطيب والضياء عن جابر -رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "سيد" ولفظ الديلمي "خير الشهداء" ولفظ جابر "عند الله" وفي لفظ "يوم القيامة حمزة" .

                                                                                                                                                                                                                              زاد ابن عباس وابن مسعود وجابر "ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في شهادته -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة ، رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن عمر عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "دخلت البارحة الجنة فإذا حمزة مع أصحابه" رضي الله تعالى عنهم .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : في آية نزلت فيه .

                                                                                                                                                                                                                              روى السدي في قوله تعالى : أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه [القصص : 61] أنها نزلت في حمزة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى السلفي عن بريدة -رضي الله تعالى عنه- في قوله تعالى : يا أيتها النفس المطمئنة [الفجر : 27] قال حمزة : في .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : في شدة حزنه -صلى الله عليه وسلم- حين قتل

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو الفرج بن الجوزي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد ، فنظر إلى شيء ، لم ينظر إلى شيء كان أوجع لقلبه منه ، وقد تقدم في غزوة أحد ما يغني عن الإعادة .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : في تغسيل الملائكة له رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني بسند حسن ، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : أصيب حمزة بن عبد المطلب وحمزة بن الراهب وهما جنب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رأيت الملائكة تغسلهما" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم وقال : صحيح الإسناد عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن حمزة قتل جنبا فغسلته الملائكة .

                                                                                                                                                                                                                              التاسع : في كفنه رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو يعلى واللفظ له برجال الصحيح عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : لما كان يوم أحد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة وقد جدع أنفه ، ومثل به فقال : "لولا أن تجد صفية في [ ص: 92 ] نفسها لتركته ، حتى يحشره الله من بطون السباع والطير" فكفن في نمرة ، إذا خمر رأسه بدت رجلاه ، وإذا خمر رجلاه بدت رأسه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : لما قتل حمزة بن عبد المطلب -رضي الله تعالى عنه- كان عليه نمرة ، وكان هو الذي أدخله في قبره ، وكان إذا غطى بها رأسه خرجت قدماه ، وإذا غطى قدميه خرج رأسه ، فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يغطي رأسه ، وأن يأخذ شجرا من هذا العلجان فيجعله على رجله .

                                                                                                                                                                                                                              العاشر : في سنه يوم قتل ، ووصيته إلى زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما

                                                                                                                                                                                                                              كان سنه يوم قتل تسعا وخمسين سنة ، ودفن هو وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد .

                                                                                                                                                                                                                              الحادي عشر : في ولده رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              له من الولد ذكران وأنثى ، عمارة وأمه خولة بنت قيس بن مالك بن النجار الأنصارية الخزرجية ، ويعلى ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل واحد منهما أعوام ، ولم تحفظ لواحد منهما رواية ، واسم الأنثى أمامة كما ذكره ابن الجوزي ، وقال ابن قتيبة : يقال لها : أم أبيها ، أمها زينب بنت عميس الخثعمية ، وهي التي اختصم في حضانتها علي وجعفر وزيد ، فقال علي : ابنة عمي ، وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي ، وقال زيد : ابنة أخي ، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الخالة بمنزلة الأم" رواه البخاري .

                                                                                                                                                                                                                              وكانت أحسن فتاة في قريش ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 93 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية