سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
جماع أبواب القضاة والفقهاء والمفتين وحفاظ القرآن من أصحابه في أيامه- صلى الله عليه وسلم- وذكر وزرائه وأمرائه وعماله على البلاد وخلفائه على المدينة إذا سافر

الباب الأول في ذكر قضاته- صلى الله عليه وسلم-

روى الإمام أحمد وعبد بن حميد والترمذي وأبو يعلى وابن حبان عن عبد الله بن موهب بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء وبالموحدة- رحمه الله تعالى - أن عثمان - رضي الله تعالى عنه- قال لابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- : اقض بين الناس ، قال : لا أقضي بين رجلين ، لا أرى منهما ، قال : فإن أباك كان يقضي ، قال : إن أبي كان يقضي فإن أشكل عليه شيء ، سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- فإن أشكل على النبي- صلى الله عليه وسلم- شيء سأل عنه جبريل ، وأنا لا أجد من أسأله وإني لست مثل أبي .

وروى الطبراني برجال الصحيح عن مسروق قال : كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري .

وروى الإمام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى والدارقطني بسند حسن صحيح عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه- قال : جاء خصمان إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يختصمان ، فقال :

قم يا عقبة ، اقض بينهما ، فقلت : بأبي وأمي أنت ، يا رسول الله ، أنت أولى بذلك مني ، قال :

وإن كان فاقض بينهما ، قلت : فإذا قضيت بينهما فما لي ، وفي لفظ : فقال : «أقضي بينهما على ماذا» ؟ قال : «اجتهد فإن أصبت فلك عشرة أجور» وفي لفظ : «عشر حسنات» ، وإن اجتهدت فأخطأت فلك أجر واحد»
.

انتهى .

وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، والإمام أحمد والطبراني عن عمر - رضي الله تعالى عنه- قال : جاء خصمان إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال لعمر : اقض بينهما ، فقال : أنت أولى بذلك مني يا رسول الله قال : وإن كان . قال : أقضي وأنت حاضر ؟ قال : نعم ، قال : فإذا قضيت بينهما فما لي ؟ قال : إن أنت قضيت بينهما فأصبت القضاء فلك عشر حسنات وفي لفظ : «عشرة أجور ، وإن أنت اجتهدت فأخطأت فلك حسنة» وفي لفظ : «أجر» . [ ص: 326 ]

وروى الإمام الطبراني والحاكم عن معقل ، بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف وباللام ، ابن يسار بفتح المثناة التحتية وبالسين المهملة المزني بضم الميم ، وفتح الزاي وبالنون- رضي الله تعالى عنه- قال : أمرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن أقضي بين قوم فقلت : ما أحسن أن أقضي يا رسول الله! قال : إن الله مع القاضي ما لم يحف عمدا .

وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عنه قال : بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على اليمن قاضيا ، وأنا حديث السن ، قال : قلت يا رسول الله ، أتبعثني وأنا الشاب أقضي ولا أدري ما القضاء! وفي لفظ «تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث» ، فضرب بيده على صدري ، وقال : اللهم اهد قلبه ، وثبت لسانه وقال : إن الله تعالى سيهدي قلبك ويثبت لسانك ، قال : فما شككت في قضاء بين اثنين .

وروى الحارث بن عمر عن معاذ - رضي الله تعالى عنه- .

وروى سعد بن عمر بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده قال : وجدنا في كتب سعد بن عبادة - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمر عمارة بن حزم أن يقضي باليمين مع الشاهد .

وروى الدارقطني عن جارية- بالجيم- ابن ظفر بالظاء المعجمة المشالة أن قوما اختصموا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في خص كان بينهم فبعث حذيفة - رضي الله تعالى عنه- يقضي بينهم ، فقضى للذي يليهم القمط ، ثم رجع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال : أصبت أو أحسنت .

تنبيه :

قول عثمان - رضي الله تعالى عنه- «فإن أباك كان يقضي بين الناس» يريد أنه كان يقضي في بعض الأمور في أوقات مختلفات لا أنه كان يقضي دائما ، كما دل عليه قول عمر ، وإنما استقضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جماعة في أشياء خاصة ، ولم يستقض شخصا معينا في القضاء بين الناس ، والدليل على ذلك حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- «ما اتخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قاضيا ، ولا أبو بكر ، ولا عمر حتى كان في آخر زمانه ، قال ليزيد بن أخت نمير : اكفني بعض الأمور .

رواه أبو يعلى الموصلي ورجاله رجال الصحيح .

وروى الطبراني بسند جيد عن السائب بن يزيد أن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر لم يتخذا قاضيا وأول من استقضى عمر ، قال : رد عني الناس في الدرهم والدرهمين . [ ص: 327 ]

والجواب عن ذلك : أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يستقض جماعة في أشياء خاصة .

[شرح غريب ما سبق]

القمط : وروي بضم القاف والميم وبالطاء المهملة ، جمع قماط بكسر القاف وهي الشرط بضم الشين المعجمة والراء جمع شريط ، وهو ما يشد به الخص ويوثق به من ليف أو خوص أو غيرهما ، وقيل : القمط : الخشب الذي يكون على ظاهر الخص ، أو باطنه ومعاقد القمط تلي صاحب الخص وهو البيت الذي يعمل من القصب .

الحرادى : بفتح الحاء والدال المهملتين ، جمع حردى بضم أوله وسكون ثانيه وهي حزمة من قصب يلقى على حسب السقف . [ ص: 328 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية