سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثالث في حفاظ القرآن من أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- في حياته- صلى الله عليه وسلم-

روى الشيخان عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : «خذوا القرآن من أربع عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وأبي بن كعب » - رضي الله تعالى عنهم-

قال الشيخ في الإتقان : أي تعلموا منهم والأربعة المذكورون اثنان من المهاجرين ، وهما المبدأ بهما ، واثنان من الأنصار سالم بن معقل مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل .

وروى البخاري عن قتادة - رضي الله تعالى عنه- قال : سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ؟ فقال : أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، قلت : من أبو زيد ؟ قال : أحد عمومتي .

وروي أيضا من طريق ثابت عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : مات النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد .

وروى مسدد عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما- قال : أربعة رهط لا أزال أحبهم منذ سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : استقرئوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة ، ومعاذ بن جبل .

وروى البزار برجال ثقات عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «استقرئوا القرآن من أربعة : من أبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة » .

وروى الطبراني برجال ثقات غير إبراهيم بن محمد بن عثمان الحضرمي فيحرر حاله والبيهقي وأبو داود عن عامر الشعبي - رحمه الله تعالى- قال : جمع القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ستة من الأنصار : زيد بن ثابت ، وأبو زيد ، ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء ، وسعد بن عبادة ، وأبي بن كعب ، وقد كان جارية بن مجمع قد قرأه إلا سورة أو سورتين .

وروى الطبراني مرسلا برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى - رحمه الله تعالى- قال : كان سعيد بن عبيد يسمي القارئ على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- . [ ص: 331 ]

وروى أبو يعلى والبزار والطبراني برجال ثقات عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال :

افتخر الحيان من الأنصار الأوس والخزرج ، فقالت الأوس : منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب ، ومنا من اهتز له عرش الرحمن : سعد بن معاذ ، ومنا من حمته الدير عاصم بن ثابت بن أبي الأفلج ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت ، وقال الخزرجيون : منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يجمعه غيرهم : زيد بن ثابت ، وأبو زيد ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل .

وروى الطبراني ولم يعد غير خمسة من الستة عن داود بن أبي هند وإسماعيل بن أبي خالد وزكريا بن أبي زائدة - رحمهم الله تعالى- قالوا : «جمع القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ستة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، وسعد بن عبيد » .

وروى الطبراني بسند حسن عن عيسى السعدي - رحمه الله تعالى- قال : رأيت أبي بن كعب أبيض الرأس واللحية ما خضب .

روى الإمام أحمد والطبراني بسند حسن عن أبي حبة البدري - رضي الله تعالى عنه- قال : لما نزلت لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب [البينة 1] إلى آخرها قال جبريل :

يا رسول الله ، إن الله يأمرك أن تقرئها أبيا ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي : إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة قال أبي : إني قد ذكرت ثم يا رسول الله ؟ قال : نعم ، فبكى أبي
.

وروى الطبراني برجال ثقات عن أبي بضم الهمزة ، وتشديد التحية ، ابن كعب - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «يا أبا المنذر ، أمرت أن أعرض عليك القرآن» ، فقال : بالله آمنت ، وعلى يديك أسلمت ، ومنك تعلمت ، قال : فرد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القول ، فقال : يا رسول الله ، ذكرت هناك ؟ قال : نعم باسمك ونسبك في الملإ الأعلى قال : فأقرأ إذا يا رسول الله .

وفي رواية : إني عرضت على النبي- صلى الله عليه وسلم- القرآن ، فقال : أمرني جبريل أن أعرض عليك-

وفي رواية : قال أبي : قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : أمرت أن أقرئك القرآن .

وروى الحاكم عن ابن عمرو ، وابن عساكر عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب » زاد ابن عمر : لقد هممت أن أبعثهم إلى اليمن كما [ ص: 332 ] بعث عيسى ابن مريم الحواريين ، قالوا : يا رسول الله ، أفلا تبعث أبا بكر وعمر فهما أعلم وأفضل ، فقال : إني لا غنى لي عنهما ، إنهما مني بمنزلة السمع والبصر ، وبمنزلة العينين من الرأس .

روى الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح والبيهقي عن عبد الله بن عمرو قال : جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة ، فبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «اقرأه في شهر»

انتهى .

وروى ابن أبي داود وبسند حسن عن محمد بن كعب القرظي قال : جمع القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خمسة من الأنصار معاذ بن جبل ، وعبادة بن الصامت ، وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، وأبو أيوب الأنصاري .

وروى البيهقي في المدخل عن ابن سيرين قال : جمع القرآن على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربعة لا يختلف فيهم : معاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد وأبو زيد ، واختلفوا في رجلين من ثلاثة : أبي الدرداء ، وعثمان ، وقيل : عثمان وتميم الداري .

وروى ابن سعد في الطبقات والإمام أحمد ، وأبو داود وأبو يعلى والحاكم عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يزورها ويسميها الشهيدة ، وكانت قد جمعت القرآن وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين غزا بدرا ، قالت له : أتأذن لي أن أخرج معك ، الحديث ، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يزورها في بيتها ، وجعل لها مؤذنا يؤذن لها في بيتها ، وأمرها أن تؤم أهل دارها .

ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات أنه ذكر القراء من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة ، وطلحة ، وسعدا وابن مسعود ، وحذيفة وسالما وأبا هريرة ، وعبد الله بن السائب ، والعبادلة ، وعائشة ، وحفصة ، وأم سلمة . ومن الأنصار : عبادة بن الصامت ، ومعاذ بن جبل الذي يكنى أبا حليمة ومجمع بن جارية وفضالة بن عبيد ، ومسلمة بن مخلد ، وصرح بأن بعضهم أكمله بعد النبي- صلى الله عليه وسلم- فلا يرد على الحصر المذكور في حديث أنس ، وعد ابن أبي داود منهم تميما الداري وعقبة بن عامر ، وممن جمعه أيضا أبو موسى الأشعري ، وذكره أبو عمرو الداني .

وروى أبو أحمد العسكري : لم يجمع القرآن من الأوس غير سعد بن عبيد . وروى محمد بن حبيب في «المخبر» سعد بن عبيد أحد من جمع القرآن في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : «كان [ ص: 333 ]

يعرض القرآن على النبي- صلى الله عليه وسلم- في كل سنة مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عرض عليه مرتين
.

كذا في نسختين من مجمع الزوائد ، ظاهره أن أبا هريرة حفظ القرآن في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

تنبيهات

الأول : قيل : إن سعدا هذا هو أبو زيد المذكور في حديث أنس ، وقد اختلف في اسمه فقيل : هو سعد بن عبيد بن النعمان ، أحد ابني عمر بن عوف ، ورد بأنه أوسي ، وأنس خزرجي ، وقد قال : إنه أحد عمومته وبأن الشعبي عده هو وأبو زيد جميعا فيمن جمع القرآن كما تقدم فدل على أنه غيره وقال ابن حجر : قد ذكر ابن أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي صعصعة وهو خزرجي يكنى أبا زيد فلعله هو .

وذكر أيضا سعد بن المنذر بن أوس بن زهير وهو خزرجي أيضا ، ولكن لم أر التصريح بأنه يكنى أبا زيد قال : ثم وجدت عند أبي داود ما يرفع الإشكال ، فإنه روى بإسناد على شرط البخاري إلى ثمامة عن أنس «أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس بن السكن وكان رجلا منا من بني عدي بن النجار أحد عمومتي ومات ولم يدع عقبا ، ونحن ورثناه» . قال ابن أبي داود : حدثنا أنس بن خالد الأنصاري قال : هو قيس بن السكن بن زعوراء من بني عدي بن النجار ، قال ابن أبي داود : ومات قريبا من وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذهب علمه ولم يؤخذ عنه ، وكان عقيبا بدريا ، ومن الأقوال في اسمه : ثابت وأوس ومعاذ .

الثاني : المشهور بقراءة القرآن من الصحابة سبعة : عثمان ، وعلي ، وأبي ، وزيد بن ثابت ، وابن مسعود وأبو الدرداء ، وأبو موسى الأشعري كذا ذكرهم الذهبي في طبقات القراء ، قال : وقد قرأ على أبي جماعة من الصحابة ، منهم أبو هريرة وابن عباس ، وعبد الله بن السائب ، وأخذ ابن عباس عن زيد أيضا .

الثالث : قال الكرماني في حديث «خذوا القرآن عن أربعة» : يحتمل أنه- صلى الله عليه وسلم- أراد الإعلام بما يكون بعده أي أن هؤلاء الأربعة يبقون حتى ينفردوا بذلك ، وتعقب بأنهم لم ينفردوا بل الذين مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين وقد قتل سالم مولى أبي حذيفة في وقعة اليمامة ، ومات معاذ في خلافة عمر ، ومات أبي ، وابن مسعود في [ ص: 334 ] خلافة عثمان ، وقد تأخر زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه- ، وانتهت إليه الرئاسة في القراءة ، وعاش بعدهم زمنا طويلا ، فالظاهر أنه أمر بالأخذ عنهم في الوقت الذي صدر فيه ذلك القول ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون أحد من ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن الكريم ، بل كان الذين يحفظون (مثل الذين حفظوه ) وأزيد جماعة من الصحابة .

وفي الصحيح في غزوة بئر معونة «أن الذين قتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم القراء ، وكانوا سبعين رجلا» .

الرابع : في حديث ثابت عن أنس مخالفة لحديث قتادة من وجهين .

أحدهما : التصريح بصيغة الحصر في الأربعة .

والآخر : ذكر أبي الدرداء بدل أبي بن كعب وقد استنكر جماعة من الأئمة الحصر في الأربعة قال الإمام المازري : لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك ، لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه ، وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك ، وقال القرطبي : إنما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم ، أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم .

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : الجواب عن حديث أنس من أوجه .

أحدها : أنه لا مفهوم له .

الثاني : المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك .

الثالث : لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ إلا أولئك .

الرابع : المراد بجمعه تلقيه من في رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا بواسطة .

الخامس : أنهم تصدوا لإلقائه وتعليمه فاشتهروا به .

السادس : المراد بالجمع الكتابة .

السابع : المراد بالجمع أنه لم يفصح بأن أحدا جمعه بمعنى إكمال حفظه في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا أولئك .

الثامن : المراد بجمعه السمع والطاعة له والعمل بموجبه ، وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبي الزاهرية أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال : إن ابني جمع القرآن فقال : اللهم غفرا! إنما جمع القرآن من سمع وأطاع . [ ص: 335 ]

قال الحافظ ابن حجر : في غالب هذه الاحتمالات تكلف ولا سيما الأخير ، وقد ظهر لي احتمال آخر ، وهو أن المراد إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط فلا ينفى ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين ، لأنه قال ذلك في معرض المفاخرة بين الأوس والخزرج ، قال : والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- ففي الصحيح : أنه بنى مسجدا أيضا بفناء داره ، فكان يقرأ فيه القرآن ، وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك ، وقد صح حديث : «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» ، وقد قدمه- صلى الله عليه وسلم- في مرضه إماما للمهاجرين والأنصار ، فدل على أنه كان أقرأهم . انتهى .

قال الشيخ في الإتقان : وقد سبقه إلى نحو ذلك ابن كثير .

قلت : لكن أخرج ابن أشتة في المصاحف بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال :

مات أبو بكر ولم يجمع القرآن له وقتل عمر ، ولم يجمع القرآن له ، قال ابن أشتة : قال بعضهم :

يعني لم يقرأ جميع القرآن حفظا ، وقال بعضهم : هو جمع المصاحف ، قال ابن حجر : وقد ورد عن علي أنه جمع على ترتيب النزول عقب موت النبي- صلى الله عليه وسلم- أخرجه ابن أبي داود . [ ص: 336 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية