سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثاني عشر : في سحرهم إياه صلى الله عليه وسلم

روى الشيخان والإسماعيلي ، وابن مردويه ، والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها ، والإمام أحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، والنسائي عن زيد بن أرقم ، وابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، وابن سعد ، والبيهقي ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وابن سعد عن عمر بن الحكم مرسلا ، قال عمر بن الحكم : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ، ودخل المحرم سنة سبع ، جاءت رؤساء يهود [الذين بقوا في المدينة ممن يظهر الإسلام وهو منافق] إلى لبيد بن الأعصم ، وكان حليفا في بني زريق ، وكان ساحرا [قد علمت ذلك يهود أنه أعلمهم بالسحر وبالسموم] فقالوا له : يا أبا الأعصم أنت أسحرنا ، وقد سحرنا محمدا فلم نصنع شيئا ، وأنت ترى أثره فينا ، وخلافه ديننا ، ومن قتل منا وأجلى ، ونحن نجعل لك على ذلك جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه ، فجعلوا له ثلاثة دنانير على أن يسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقالت عائشة رضي الله عنها في رواية عبد الله بن عمير : سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق . وفي رواية ابن عيينة : رجل من بني زريق حليف يهود وكان منافقا . وفي حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند ابن سعد : إنما سحره بنات أعصم أخوات لبيد ، وكن أسحر من لبيد وأخبث ، وكان لبيد هو الذي ذهب به فأدخله تحت راعوفة البئر ، فلما عقدوا تلك العقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الساعة بصره ، ودس بنات أعصم إحداهن ، فدخلت على عائشة رضي الله عنها ، [فخبرتها عائشة أو سمعت عائشة تذكر ما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصره] ثم خرجت إلى أخواتها [وإلى لبيد] فأخبرتهم بذلك . فقالت إحداهن : "إن يكن نبيا فسيخبر ، وإن يك غير ذلك فسوف يدلهه هذا السحر حتى يذهب عقله" .

وفي رواية في الصحيح [عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر] حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن" . قال سفيان : وهذا شر ما يكون إذا كان كذا .

وفي مرسل يحيى بن يعمر عن عبد الرزاق : حتى أنكر بصره ، فدخل عليه أصحابه [ ص: 411 ] يعودونه فخرجوا من عنده وهم يرون أنه لما به [مطبوب] . وفي رواية عمرة عن عائشة عند البيهقي : فكان يذوب وما يدري ما وجعه فاشتكى لذلك أياما . وفي رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي : مكث أربعين ليلة . وفي رواية وهيب عند الإمام أحمد : ستة أشهر ، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله عز وجل ثم دعا ثم قال : "يا عائشة ، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟" قلت : وما ذاك يا رسول الله؟ قال : "أتاني رجلان - وفي حديث ابن عباس : جبريل وميكائيل- فقعد أحدهما عند رأسي- قال الدمياطي : هو جبريل- والآخر عند رجلي . ثم قال أحدهما لصاحبه- وفي حديث ابن عباس : فقال ميكائيل : يا جبريل ، إن صاحبك شاك . قال : أجل . قال : وما وجع الرجل؟ فقال : مطبوب . قال : ومن طبه؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي .

قال : فبماذا؟ قال : "في مشط ومشاطة- وفي لفظ : مشط ومشاقة وجف طلع نخلة ذكر"
.

وفي حديث عائشة من طريق ابن عيينة ، "فقال الذين عند رأسي" . قال الحافظ : "وكأنها أصوب" . وفي حديث ابن عباس عند البيهقي قال : وأين هو؟ قال : في بئر ذي أروان- وفي لفظ : بئر ذروان- وفي حديث ابن عباس عند ابن مردويه : وهو بئر ميمون في كدية تحت صخرة في الماء . قال : فما دواء ذلك؟ قال : تنزح البئر ، ثم تقلب الصخرة فتؤخذ الكدية فيها مثال إحدى عشرة عقدة فتحرق ، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا .

وفي حديث آخر : ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر ، فنظر إليها ، وعليها نخل ، فدخل رجل فاستخرج جف طلعة [ذكر] من تحت الراعوفة ، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر ، فنزل جبريل عليه السلام بالمعوذتين : سورة الفلق وسورة الناس [وهما إحدى عشرة آية على عدد تلك العقد ، وأمر أن يتعوذ بهما] فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، وكلما نزع إبرة وجد لها ألما ويجد بعدها راحة .

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما أنشط من عقال .

قالت عائشة : فلما رجع قال : "لكأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن رؤوس نخلها الذي يشرب ماءها قد التوى سعفه كأنه رؤوس الشياطين" . قلت : يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال : "لا" -


وفي رواية من حديث عائشة في الصحيح وغيره : فقلت يا رسول الله : أفلا- قال سفيان : أي تنشرت- فقال : "أما والله" - وفي رواية : "أما أنا فقد عافاني الله وشفاني ، وخشيت أن أثور- وفي رواية أثير- على الناس منه شرا" . وأمر بها فدفنت . فقيل : يا رسول الله لو قتلته فقال : "ما وراءه من عذاب أشد" . وفي رواية : فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف ، فعفا عنه ولم يقتله . [ ص: 412 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية