الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني عشر : في سحرهم إياه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان والإسماعيلي ، وابن مردويه ، والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها ، والإمام أحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، والنسائي عن زيد بن أرقم ، وابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، وابن سعد ، والبيهقي ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وابن سعد عن عمر بن الحكم مرسلا ، قال عمر بن الحكم : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ، ودخل المحرم سنة سبع ، جاءت رؤساء يهود [الذين بقوا في المدينة ممن يظهر الإسلام وهو منافق] إلى لبيد بن الأعصم ، وكان حليفا في بني زريق ، وكان ساحرا [قد علمت ذلك يهود أنه أعلمهم بالسحر وبالسموم] فقالوا له : يا أبا الأعصم أنت أسحرنا ، وقد سحرنا محمدا فلم نصنع شيئا ، وأنت ترى أثره فينا ، وخلافه ديننا ، ومن قتل منا وأجلى ، ونحن نجعل لك على ذلك جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه ، فجعلوا له ثلاثة دنانير على أن يسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت عائشة رضي الله عنها في رواية عبد الله بن عمير : سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق . وفي رواية ابن عيينة : رجل من بني زريق حليف يهود وكان منافقا . وفي حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند ابن سعد : إنما سحره بنات أعصم أخوات لبيد ، وكن أسحر من لبيد وأخبث ، وكان لبيد هو الذي ذهب به فأدخله تحت راعوفة البئر ، فلما عقدوا تلك العقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الساعة بصره ، ودس بنات أعصم إحداهن ، فدخلت على عائشة رضي الله عنها ، [فخبرتها عائشة أو سمعت عائشة تذكر ما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصره] ثم خرجت إلى أخواتها [وإلى لبيد] فأخبرتهم بذلك . فقالت إحداهن : "إن يكن نبيا فسيخبر ، وإن يك غير ذلك فسوف يدلهه هذا السحر حتى يذهب عقله" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية في الصحيح [عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر] حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن" . قال سفيان : وهذا شر ما يكون إذا كان كذا .

                                                                                                                                                                                                                              وفي مرسل يحيى بن يعمر عن عبد الرزاق : حتى أنكر بصره ، فدخل عليه أصحابه [ ص: 411 ] يعودونه فخرجوا من عنده وهم يرون أنه لما به [مطبوب] . وفي رواية عمرة عن عائشة عند البيهقي : فكان يذوب وما يدري ما وجعه فاشتكى لذلك أياما . وفي رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي : مكث أربعين ليلة . وفي رواية وهيب عند الإمام أحمد : ستة أشهر ، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله عز وجل ثم دعا ثم قال : "يا عائشة ، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟" قلت : وما ذاك يا رسول الله؟ قال : "أتاني رجلان - وفي حديث ابن عباس : جبريل وميكائيل- فقعد أحدهما عند رأسي- قال الدمياطي : هو جبريل- والآخر عند رجلي . ثم قال أحدهما لصاحبه- وفي حديث ابن عباس : فقال ميكائيل : يا جبريل ، إن صاحبك شاك . قال : أجل . قال : وما وجع الرجل؟ فقال : مطبوب . قال : ومن طبه؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي .

                                                                                                                                                                                                                              قال : فبماذا؟ قال : "في مشط ومشاطة- وفي لفظ : مشط ومشاقة وجف طلع نخلة ذكر"
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث عائشة من طريق ابن عيينة ، "فقال الذين عند رأسي" . قال الحافظ : "وكأنها أصوب" . وفي حديث ابن عباس عند البيهقي قال : وأين هو؟ قال : في بئر ذي أروان- وفي لفظ : بئر ذروان- وفي حديث ابن عباس عند ابن مردويه : وهو بئر ميمون في كدية تحت صخرة في الماء . قال : فما دواء ذلك؟ قال : تنزح البئر ، ثم تقلب الصخرة فتؤخذ الكدية فيها مثال إحدى عشرة عقدة فتحرق ، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث آخر : ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر ، فنظر إليها ، وعليها نخل ، فدخل رجل فاستخرج جف طلعة [ذكر] من تحت الراعوفة ، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر ، فنزل جبريل عليه السلام بالمعوذتين : سورة الفلق وسورة الناس [وهما إحدى عشرة آية على عدد تلك العقد ، وأمر أن يتعوذ بهما] فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، وكلما نزع إبرة وجد لها ألما ويجد بعدها راحة .

                                                                                                                                                                                                                              فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما أنشط من عقال .

                                                                                                                                                                                                                              قالت عائشة : فلما رجع قال : "لكأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن رؤوس نخلها الذي يشرب ماءها قد التوى سعفه كأنه رؤوس الشياطين" . قلت : يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال : "لا" -


                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية من حديث عائشة في الصحيح وغيره : فقلت يا رسول الله : أفلا- قال سفيان : أي تنشرت- فقال : "أما والله" - وفي رواية : "أما أنا فقد عافاني الله وشفاني ، وخشيت أن أثور- وفي رواية أثير- على الناس منه شرا" . وأمر بها فدفنت . فقيل : يا رسول الله لو قتلته فقال : "ما وراءه من عذاب أشد" . وفي رواية : فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف ، فعفا عنه ولم يقتله . [ ص: 412 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية