سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر مقتل عدو الله أمية بن خلف

روى البخاري ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن سعد بن معاذ أنه كان صديقا لأمية بن خلف ، وكان أمية إذا نزل بالمدينة مر على سعد ، وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انطلق سعد معتمرا ، فنزل على أمية بمكة فقال لأمية : انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت ، فخرج به قريبا من نصف النهار فلقيهما أبو جهل فقال : يا أبا صفوان من هذا معك ؟ فقال : هذا سعد ، فقال له أبو جهل : ألا أراك تطوف بمكة آمنا ، وقد آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم ، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما ، فقال له سعد ورفع صوته عليه : أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه ، طريقك إلى المدينة ، فقال له أمية : لا ترفع صوتك على أبي الحكم سيد أهل الوادي ، فقال سعد : دعنا عنك يا أمية : فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إنه قاتلك» وفي لفظ : إنهم قاتلوك . قال : إياي ؟ ! قال : نعم . قال : بمكة ؟ قال : لا أدري ، ففزع لذلك أمية فزعا شديدا وقال : والله ما يكذب محمد إذا حدث . فلما رجع أمية إلى أهله قال : يا أم صفوان ، ألم تري ما قال لي سعد ؟ قالت : وما قال لك ؟ قال : زعم أن محمدا أخبرهم أنهم قاتلي . فقلت له : بمكة ؟ قال : لا أدري ، فقال أمية : والله لا أخرج من مكة . فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس فقال : أدركوا عيركم ، فكره أمية أن يخرج ، فأتاه أبو جهل فقال : يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت -وأنت سيد أهل الوادي- تخلفوا معك ، فلم يزل به أبو جهل حتى قال : أما إذ غلبتني لأشترين أجود بعير بمكة .

وعن ابن إسحاق أن عقبة بن أبي معيط أتى أمية بن خلف لما أجمع القعود ، وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها ، فيها نار وبخور ، حتى وضعها بين يديه ، ثم قال : يا أبا علي استجمر فإنما أنت من النساء ، قال : قبحك الله وقبح ما جئت به ، ثم [ ص: 47 ] قال أمية : يا أم صفوان جهزيني ، قالت : يا أبا صفوان ، أنسيت ما قال لك أخوك اليثربي ؟ قال : لا ، ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا . فلما خرج أخذ لا يترك منزلا إلا عقل بعيره ، فلم يزل كذلك حتى قتله الله ببدر .

وروى البخاري وابن إسحاق واللفظ له ، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، قال : كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة ، وكان اسمي عبد عمرو ، فتسميت حين أسلمت عبد الرحمن ، فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول : يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماك به أبوك ؟

فأقول : نعم ، فيقول : إني لا أعرف الرحمن ، فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به ، أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول ، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف . قال : وكان إذا دعاني عبد عمرو لم أجبه . قال : فقلت له : يا أبا علي اجعل بيني وبينك ما شئت ، قال : فأنت عبد الإله ، قلت : نعم ، قال : فكنت إذا مررت به قال : يا عبد الإله فأجيبه ، فأتحدث معه ، فلما هاجرت إلى المدينة كاتبته ليحفظني في ضائقتي ، وأحفظه في ضائقته بالمدينة ، فلما كان يوم بدر خرجت لأحرزه من القتل ، فوجدته مع ابنه علي بن أمية ، أخذ بيده ، ومعي أدراع [قد استلبتها فأنا أحملها] فلما رآني قال : يا عبد عمرو فلم أجبه ، فقال : يا عبد الإله ، فقلت : نعم . قال : هل لك في ، فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك ؟ قلت : نعم بالله إذا ، فطرحت الأدراع من يدي فأخذت بيده ويد ابنه وهو يقول : ما رأيت كاليوم قط ، أما لكم حاجة في اللبن ، ثم خرجت أمشي بهما ، فقال لي ابنه : يا عبد الإله ، من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره ، قلت : ذاك حمزة بن عبد المطلب ، قال : ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل ، قال عبد الرحمن : فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي . وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة حتى يترك الإسلام فلما رآه قال : رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا ، ثم نادى : يا معشر الأنصار ، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا ، فلما خشيت أن يلحقونا أطلقت لهم ابنه لأشغلهم به ، وكان أمية رجلا ثقيلا ، فقلت : ابرك ، فبرك ، فألقيت نفسي عليه لأمنعه ، فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل الدسكرة -وفي لفظ المسكة- وأنا أذب عنه ، فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع ، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط ، فقلت : انج بنفسك ولا نجاء بك ، فوالله ما أغني عنك شيئا ، قال : فهبروه بأسيافهم وأصاب أحدهم ظهر رجلي بسيفه ، فكان عبد الرحمن يقول : يرحم الله بلالا ، ذهبت أدراعي ، وفجعني بأسيري .

التالي السابق


الخدمات العلمية