الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر مقتل عدو الله أمية بن خلف

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن سعد بن معاذ أنه كان صديقا لأمية بن خلف ، وكان أمية إذا نزل بالمدينة مر على سعد ، وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انطلق سعد معتمرا ، فنزل على أمية بمكة فقال لأمية : انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت ، فخرج به قريبا من نصف النهار فلقيهما أبو جهل فقال : يا أبا صفوان من هذا معك ؟ فقال : هذا سعد ، فقال له أبو جهل : ألا أراك تطوف بمكة آمنا ، وقد آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم ، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما ، فقال له سعد ورفع صوته عليه : أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه ، طريقك إلى المدينة ، فقال له أمية : لا ترفع صوتك على أبي الحكم سيد أهل الوادي ، فقال سعد : دعنا عنك يا أمية : فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إنه قاتلك» وفي لفظ : إنهم قاتلوك . قال : إياي ؟ ! قال : نعم . قال : بمكة ؟ قال : لا أدري ، ففزع لذلك أمية فزعا شديدا وقال : والله ما يكذب محمد إذا حدث . فلما رجع أمية إلى أهله قال : يا أم صفوان ، ألم تري ما قال لي سعد ؟ قالت : وما قال لك ؟ قال : زعم أن محمدا أخبرهم أنهم قاتلي . فقلت له : بمكة ؟ قال : لا أدري ، فقال أمية : والله لا أخرج من مكة . فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس فقال : أدركوا عيركم ، فكره أمية أن يخرج ، فأتاه أبو جهل فقال : يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت -وأنت سيد أهل الوادي- تخلفوا معك ، فلم يزل به أبو جهل حتى قال : أما إذ غلبتني لأشترين أجود بعير بمكة .

                                                                                                                                                                                                                              وعن ابن إسحاق أن عقبة بن أبي معيط أتى أمية بن خلف لما أجمع القعود ، وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها ، فيها نار وبخور ، حتى وضعها بين يديه ، ثم قال : يا أبا علي استجمر فإنما أنت من النساء ، قال : قبحك الله وقبح ما جئت به ، ثم [ ص: 47 ] قال أمية : يا أم صفوان جهزيني ، قالت : يا أبا صفوان ، أنسيت ما قال لك أخوك اليثربي ؟ قال : لا ، ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا . فلما خرج أخذ لا يترك منزلا إلا عقل بعيره ، فلم يزل كذلك حتى قتله الله ببدر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري وابن إسحاق واللفظ له ، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، قال : كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة ، وكان اسمي عبد عمرو ، فتسميت حين أسلمت عبد الرحمن ، فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول : يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماك به أبوك ؟

                                                                                                                                                                                                                              فأقول : نعم ، فيقول : إني لا أعرف الرحمن ، فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به ، أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول ، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف . قال : وكان إذا دعاني عبد عمرو لم أجبه . قال : فقلت له : يا أبا علي اجعل بيني وبينك ما شئت ، قال : فأنت عبد الإله ، قلت : نعم ، قال : فكنت إذا مررت به قال : يا عبد الإله فأجيبه ، فأتحدث معه ، فلما هاجرت إلى المدينة كاتبته ليحفظني في ضائقتي ، وأحفظه في ضائقته بالمدينة ، فلما كان يوم بدر خرجت لأحرزه من القتل ، فوجدته مع ابنه علي بن أمية ، أخذ بيده ، ومعي أدراع [قد استلبتها فأنا أحملها] فلما رآني قال : يا عبد عمرو فلم أجبه ، فقال : يا عبد الإله ، فقلت : نعم . قال : هل لك في ، فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك ؟ قلت : نعم بالله إذا ، فطرحت الأدراع من يدي فأخذت بيده ويد ابنه وهو يقول : ما رأيت كاليوم قط ، أما لكم حاجة في اللبن ، ثم خرجت أمشي بهما ، فقال لي ابنه : يا عبد الإله ، من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره ، قلت : ذاك حمزة بن عبد المطلب ، قال : ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل ، قال عبد الرحمن : فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي . وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة حتى يترك الإسلام فلما رآه قال : رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا ، ثم نادى : يا معشر الأنصار ، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا ، فلما خشيت أن يلحقونا أطلقت لهم ابنه لأشغلهم به ، وكان أمية رجلا ثقيلا ، فقلت : ابرك ، فبرك ، فألقيت نفسي عليه لأمنعه ، فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل الدسكرة -وفي لفظ المسكة- وأنا أذب عنه ، فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع ، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط ، فقلت : انج بنفسك ولا نجاء بك ، فوالله ما أغني عنك شيئا ، قال : فهبروه بأسيافهم وأصاب أحدهم ظهر رجلي بسيفه ، فكان عبد الرحمن يقول : يرحم الله بلالا ، ذهبت أدراعي ، وفجعني بأسيري .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية