صفحة جزء
ومن الحوادث في زمن كسرى [ أنوشروان ] : أنه غضب على وزيره بزرجمهر فقبض عليه وقال: الحمد لله الذي أظفرني بك . فقال له: فكافئه بما يحب كما أعطاك ما تحب . قال: بماذا ؟ قال: بالعفو فحبسه في بيت كالقبر ، وصفده بالحديد ، وألبسه الخشن من الصوف ، وأمر أن لا يزاد في كل يوم على قرصين من الخبز ، وكف ملح جريش ، ودورق ماء ، وأن تنقل ألفاظه إليه ، فأقام شهورا لا يسمع له لفظة ، فقال أنوشروان : أدخلوا عليه أصحابه ، ومروهم أن يسألوه ويفاتحوه الكلام وعرفونيه .

فدخل عليه جماعة من المختصين به ، فقالوا له: أيها الحكيم ، نراك في هذا [ ص: 137 ] الضيق والحديد والشدة وسحنة وجهك ، وصبحة جسمك على حالها لم تتغير ، فما السبب ؟ فقال: إني عملت جوارشنا من ستة أخلاط ، فأخذت منه في كل يوم شيئا ، فهو الذي أبقاني على ما ترون . قالوا: فصفه لنا .

قال: الخلط الأول: الثقة بالله عز وجل . والثاني: علمي بأن كل مقدر كائن . والثالث: الصبر ، خير ما استعمل الممتحن . والرابع: إن لم أصبر فأي شيء أعمل ولم أعين على نفسي بالجزع . والخامس: قد يمكن أن يكون في شر مما أنا فيه . والسادس: من ساعة إلى ساعة فرج . ثم إنه قتله .

وكان بزرجمهر حكيما ، فمن كلامه: أنه قيل له: من أحب الناس إليك أن يكون عاقلا . قال: عدوي ، لأني أكون منه في دعة .

وقال: إن كان شيء فوق الحياة فالصحة ، وإن كان مثلها فالغنى ، وإن كان شيء فوق الموت فالمرض ، وإن كان مثله فالفقر .

ووجد في مكتوب له أربع كلمات: الأولى: إذا كان الله أجل الأشياء فالعلم به أجل العلوم . والثانية: إذا كان الرزق خطا مقسوما فالحرص باطل . والثالثة: إذا كانت الأمور بمقادير الله ومشيئته فما آفاتنا ومصائبنا إلا لعلل وأسباب عرفناها أو جهلناها .

والرابعة: إذا كان الإنسان عن تركيب مختلف ، فطلب الحالة الواحدة منه محال .

وقال بزرجمهر : أدل الأشياء على عقل الرجل التدبير .

وقال بزرجمهر : ينبغي للعاقل أن يكون كعابر نهر أو قاطع رحل .

وقال: مداراة الناس نصف العقل .

وقال: لا ينبغي للعاقل أن يسكن بلدا ليس فيه خمسة: سلطان صارم ، وقاض عادل ، وسوق قائمة ، ونهر جار ، وطبيب فاره . [ ص: 138 ]

وقال: ما أوتي رجل مثل غزيرة عقل ، فإن حرمها فطول صمت ، فإن حرمها فالموت أستر له .

وقال وقد سئل: الأغنياء أفضل أم العلماء ؟ قال: العلماء . قيل: فما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء أكثر من الأغنياء [ يأتون ] أبواب العلماء ؟ قال: لمعرفة العلماء بفضل الغنى ، وجهل الأغنياء بفضل العلم

التالي السابق


الخدمات العلمية