صفحة جزء
ثم كانت سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان بمكة

وكان سبب ذلك أن أبا سفيان قال لنفر من قريش : ألا رجل يغتال محمدا فإنه يمشي في الأسواق ، فقال له رجل من العرب : إن قويتني خرجت إليه حتى أغتاله ، ومعي خنجر مثل خافية النسر ، فأعطاه بعيرا ونفقة ، فخرج ليلا ، فسار على راحلته خمسا وصبح [ظهر] الحرة صبح سادسة ، وأقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دل عليه ، فعقل راحلته ، ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد في مسجد بني عبد الأشهل ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: "إن هذا ليريد غدرا" ، فذهب ليجني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره ، فإذا بالخنجر فسقط في يديه ، وقال: دمي دمي ، فأخذ أسيد بلبته فدعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصدقني" ، فأخبره الخبر وأسلم ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ، وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان ، وقال: "إن أصبتما منه غرة فاقتلاه ، فدخلا مكة ، فمضى عمرو يطوف بمكة ليلا فرآه معاوية فعرفه ، فأخبر قريشا بمكانه فطلبوه ، وكان فاتكا في الجاهلية - فهرب هو وسلمة ، فلقي عمرو بن عبيد الله بن مالك فقتله ، وقتل آخر من بني الديل سمعه يقول:


ولست بمسلم ما دمت حيا ولست أدين دين المسلمينا

ولقي رسولين لقريش بعثتهما يتحسسان الخبر ، فقتل أحدهما ، وأسر الآخر ، فقدم به [المدينة] وجعل يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره ، والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك .


هذا قول محمد بن سعد ، كاتب الواقدي .

وذكر ابن إسحاق عن أشياخه : أن هذا كان في سنة أربع ، وأن عمرو بن أمية [ ص: 266 ] قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل خبيب وأصحابه ، وبعث معي رجلا من الأنصار ، فقال: ائتيا أبا سفيان فاقتلاه ، فخرجنا وليس مع صاحبي بعير ، فلما وصلنا عقلت بعيري ، وقلت لصاحبي إني أريد أن أقتل أبا سفيان؛ فإن أصبت شيئا فالحق ببعيري فاركبه والحق بالمدينة ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما دخلنا مكة قال لي صاحبي: هل لك أن تطوف؟ فقلت: أنا أعلم بأهل مكة منك ، فلم يزل بي حتى طفنا ، فمررنا بمجلس ، فعرفني رجل منهم ، فصاح بأعلى صوته: هذا عمرو بن أمية الضمري ، فتبادر أهل مكة ، قالوا:

والله ما جاء عمرو لخير ، فقاموا في طلبي ، فقلت لصاحبي: "النجاء ، فهذا الذي كنت أخاف ، وليس إلى الرجل سبيل فانج بنفسك" ، فخرجنا نشتد حتى أصعدنا في الجبل ، فدخلنا غارا فبتنا فيه ليلتنا فأعجزناهم فرجعوا ، فإذا عثمان بن مالك التميمي قد وقف بباب الغار ، فخرجت إليه فوجأته بخنجر معي فصاح صيحة أسمع أهل مكة ، فأتوا إليه ، ورجعت إلى مكاني ، فجاءوه وبه رمق ، فقالوا: ويلك من؟ قال: عمرو بن أمية ، ثم مات ولم يستطع أن يخبرهم بمكاننا ، فقالوا: والله لقد علمنا أنه ما جاء لخير ، فاشتغلوا بصاحبهم ، فأقمنا في الغار يومين ، ثم خرجنا إلى التنعيم فإذا خشبة خبيب وحوله من يحرسه ، فقلت للأنصاري: إن خشيت فخذ الطريق إلى جملي فاركبه ، والحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر واشتددت إلى خشبته فاحتللته واحتملته على ظهري ، فو الله ما مشيت به إلا نحو ذراعين [حتى نذروا بي فطرحته] فما أنسى وجبته حين سقط فاشتدوا في أثري فأخذت طريق الصفراء ، فرجعوا ، وانطلق صاحبي فركب بعيري ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، وأقبلت أمشي حتى أشرفت على ضجنان ، فدخلت غارا ، فدخل علي رجل من بني الديل ، فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني بكر ، قال:

وأنا من بني بكر ، ثم اضطجع معي ، ثم رفع عقيرته يتغنى ، ويقول:


ولست بمسلم ما دمت حيا     ولست أدين دين المسلمينا

فقلت: سوف تعلم ، فنام ، فقمت فقتلته شر قتلة ، وخرجت فلقيت رجلين من قريش يتحسسان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: استأسرا ، فقالا: أنحن نستأسر لك؟ [ ص: 267 ] فرميت أحدهما بسهم فقتلته ، ثم قلت للآخر: استأسر ، فاستأسر ، فأوثقته ، فقدمت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شددت إبهامه بوتر قوسي ، فنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ودعا لي بخير .


التالي السابق


الخدمات العلمية