الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 317 ] فصل ( في الاستماع للقرآن والإنصات والأدب له ) .

ويستحب استماع القراءة وهو قول الشافعية ، ويكره الحديث عندها بما لا فائدة فيه ، وحكى ابن المنذر في الإشراف إجماع العلماء على أنه لا يجب الاستماع للقراءة في غير الصلاة والخطبة ، وتكلم الشيخ تقي الدين بن تيمية على الخشوع وعلى ذم قسوة القلب ، وقال : فإن قيل فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق واجب قيل نعم ، لكن الناس فيه على قسمين : مقتصد وسابق ، فالسابقون يختصون بالمستحبات ، والمقتصدون الأبرار هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة ، ومن لم يكن من هؤلاء ولا هؤلاء فهو ظالم لنفسه ، انتهى كلامه .

وقال ابن عقيل في الفنون ما أخوفني أن أساكن معصية فتكون سببا في سقوط عملي وسقوط منزلة إن كانت عند الله تعالى بعدما سمعت قوله تعالى { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } وهذا يدل على أن في بعض التسبب وسوء الأدب على الشريعة ما يحبط الأعمال ، ولا يشعر العامل إلا أنه عصيان ينتهي إلى رتبة الإحباط ، هذا يترك الفطن خائفا وجلا من الإقدام على المآثم ثم خوفا أن يكون تحتها من العقوبة ما يشاكل هذه إلى أن قال : أليس بيننا كتاب الله عز وجل وهو كلامه الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتزمل ويتدثر لنزوله ، والجن تنصت لاستماعه وأمر بالتأدب بقوله : { فاستمعوا له وأنصتوا } .

فعم كل قارئ ، وهذا موجود بيننا . فلما أمرنا بالإنصات إلى كلام مخلوق [ ص: 318 ] كان أمر الناس بالإنصات إلى كلامه أولى . والقارئ يقرأ وأنتم معرضون ، وربما أصغيتم إلى النغمة استثارة للهوى ، فالله الله لا تنس الأدب فيما وجب عليك فيه حسن الأدب ، ما أخوفني أن يكون المصحف في بيتك وأنت مرتكب لنواهي الحق سبحانه فيه فتدخل تحت قوله : { فنبذوه وراء ظهورهم } .

فهجران الأوائل كلام الحق يوجب عليك ما أوجب عليهم من الإبعاد والمقت ، فقد نبهك على التأدب له من أدبك للوالدين ، والتأدب للأبوين يوجب التأدب لله عز وجل ; لأنه المبتدئ بالنعم ، فالله الله في إهمال ما وجب لله تعالى من الأدب عند تلاوة القرآن ، والإنصات للفهم والنهضة للعمل بالحكم إيفاء للحقوق إذا وجبت ، وصبرا على أثقال التكاليف إذا حضرت ، وتلقيا بالتسليم للمصائب إذا نزلت ، وحشمة للحق سبحانه في كل أخذ وترك حيث نبهك على سبب الحشمة فقال : { والظاهر والباطن } { أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } .

وقال ابن هبيرة : كره السؤال بالقرآن لثلاث معان :

( أحدها ) : أن الناس يكرهون بالطبع سماع سؤال السائل فإذا أعرضوا عن القارئ الذي يسأل بالقرآن أعرضوا عن القرآن فيحملهم القارئ على أن يأثموا .

( والثاني ) : أنه ربما قرأ وهم معرضون عنه ، وقد أمروا بالإنصات للقرآن فيعرضهم للإثم أيضا .

( الثالث ) : أن يأتي بأعز الأشياء فيستشفع به في أخسها .

التالي السابق


الخدمات العلمية