الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
قال بعضهم النوم حالة للبدن يتبعها غور الحرارة الغريزية والقوى إلى باطن البدن لطلب الراحة ، والنوم الطبيعي إمساك القوى النفسانية عن أفعالها [ ص: 252 ] وهي قوى الحس والحركة الإرادية ، ومتى أمسكت هذه القوى عن تحريك البدن استرخى واجتمعت الرطوبات والأبخرة التي كانت تتحلل وتتفرق بالحركة واليقظة في الدماغ الذي هو مبدأ هذه القوى فينحدر ويسترخي .

والنوم غير الطبيعي يكون لعرض أو مرض بأن تستولي الرطوبات على الدماغ استيلاء لا تقدر اليقظة على تفريقها أو تصمد أبخرة كثيرة رطبة كما يكون عقب الامتلاء من الطعام والشراب ، فتثقل الدماغ وترخيه فينحدر ويقع إمساك القوى النفسانية عن أفعالها فيكون النوم ، ومن فائدته أيضا هضم الغذاء ونضج الأخلاط لغور الحرارة الغريزية إلى باطن البدن ولهذا يبرد ظاهره ويحتاج إلى غطاء ، وإنما كان عليه الصلاة والسلام ينام على الجانب الأيمن لئلا يستغرق في النوم لأن القلب في جهة اليسار فيعلق حينئذ فلا يستغرق ، وإذا نام على اليسار استراح واستغرق .

وقد ذكر الأطباء أنه يحيط بالمعدة من الجانب الأيمن الكبد ومن الأيسر الطحال ، وأن المعدة أميل إلى الجانب الأيسر قليلا ، ولهذا قال الفقهاء يعتمد في قضاء حاجته على رجله اليسرى ; لأنه أسهل لخروج الخارج .

وقال بعضهم : أنفع النوم على الشق الأيمن ليستقر الطعام في المعدة لميل المعدة إلى الشق الأيسر ثم يتحول إلى الشق الأيسر قليلا يسرع الهضم بذلك لاشتمال الكبد على المعدة ، ثم يستقر نومه على الشق الأيمن ليكون الغذاء أسرع انحدارا عن المعدة .

وكثرة النوم على الشق الأيسر مضر بالقلب بسبب ميل الأعضاء إليه فتصب إليه المواد ، والنوم على القفا رديء يضر الإكثار منه بالبصر وبالمني وإن استلقى للراحة بلا نوم لم يضر . وأردأ من ذلك النوم منبطحا على وجهه . وسيقت الأخبار في ذلك فيحتمل أن يقال فيها كثرة فيحرم ذلك ، ويحتمل أن يقال : يكره للكلام فيها .

قال أبقراط : نوم المريض على بطنه من غير عادة في صحته يدل على اختلاط عقل أو على ألم في نواحي البطن قال بعضهم ; لأنه خالف العادة إلى هيئة رديئة بلا سبب ، وقد سبق حكم نوم النهار قبل آداب الأكل [ ص: 253 ] بعد فصول الطب .

التالي السابق


الخدمات العلمية