الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله في الكلم الطيب والتكبير يطفئ الحريق وكذا رواه ابن المثنى وجماعة من رواية ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأن الشيطان خلق من النار ، وطبعها طيش وفساد وكبرياء لله لا يقوم لها شيء ، فالتكبير يهرب منه الشيطان ويقمعه وفعله فكذا النار وهذا مجرب شاهد وما سبق من قوله { خمر إناءك ، ولو أن تعرض عليه شيئا } ظاهره التخيير وقد سبق من كلام الأصحاب ويتوجه أن ذلك عند عدم ما يخمره به لرواية مسلم السابقة { فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا } .

وحكمة وضع العود والله أعلم ليعتاد تخميره ولا ينساه وربما كان سببا لمنع دبيب بحياله أو بمروره عليه وسياق ما سبق من كلام الأصحاب رحمهم الله أن ذلك يخص الليل والنهار والمراد الغفلة عنها بنوم أو غيره والمراد أيضا إن خيف من بقائها ، ولهذا قال ابن هبيرة في خبر أبي موسى إن النار يستحب إطفاؤها عند النوم ; لأنها عدو غير مزموم بزمام لا يؤمن لهبها في حالة نوم الإنسان ، قال فأما إن جعل المصباح في شيء معلق أو على شيء لا يمكن الفواسق والهوام التسلق إليه فلا أرى بذلك بأسا ، والله أعلم .

وقد قال أبو حميد الساعدي : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن من النقيع ليس مخمرا فقال { ألا خمرته ولو أن تعرض عليه عودا } رواه البخاري ومسلم وزاد قال أبو حميد إنما أمرنا بالأسقية أن توكأ ليلا وبالأبواب . أن تغلق ليلا ، والصحابي أعلم بما روى ، وخالف في ذلك أبو زكريا النووي وادعى أن قول أبي حميد خلاف الظاهر فلا يحتج به ، كذا قال [ ص: 251 ] لكن في رواية لمسلم من حديث جابر " فإن في السنة يوما " واللفظ السابق " فإن في السنة ليلة " فيعمل بهما والله أعلم والنقيع بالنون لا بالباء عند الأكثر ، وهو موضع بوادي العقيق الذي حماه النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد قال الأصحاب : ويرخي الستر وينظر في وصيته وينفض فراشه وينام على جنبه الأيمن ويمناه تحت خده الأيمن ، كذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعل وجهه نحو القبلة ويقول ما ورد وقد سبق .

وذكر ابن أبي موسى في المسائل التي حلف عليها أحمد قال وسئل عن المرأة تستلقي على قفاها وتنام تكره ذلك ؟ قال إي والله ، فقال له مهنا فإذا ماتت فكيف تصنعون في غسلها قال إنما كره أن تنام على قفاها في حياتها وليس ذلك في الموت قال جعفر سمعت أبا عبد الله وقيل له : يستحب أن لا ينام حتى يقرأ { الم تنزيل } السجدة و { تبارك } قال يستحب وروى أحمد والترمذي والخلال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك من حديث جابر من رواية ليث .

وعن أبي العلاء بن الشخير عن الحنظلي عن شداد بن أوس رضي الله عنه مرفوعا { ما من رجل يأوي إلى فراشه فيقرأ سورة من كتاب الله إلا بعث الله إليه ملكا يحفظه من كل شيء يؤذيه حتى يهب متى هب } رواه أحمد والترمذي والنسائي في اليوم والليلة وقال عن رجلين من بني حنظلة وقد اشتهر عنه عليه الصلاة والسلام وصح عنه أنه كان ينام نصف الليل الأول ويقوم أول النصف الثاني يستاك ويتوضأ ويصلي ويدعو ، فيستريح البدن بذلك النوم والرياضة والصلاة مع حصول الأجر الوافر ، فالنوم المعتدل ممكن لتقوى الطبيعة من أفعالها ، مريح للقوى النفسانية مكثر من جوهر حاملها ، وينام على صفة ما سبق ، ولا يباشر بجنبه الأرض ولا يتخذ الفرش المرتفعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية