الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 569 ] وقالت عائشة رضي الله عنها { لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشيا } ترجم عليه البخاري هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وعشيا ؟ وفي الصحيحين قول عائشة لعبيد بن عمير ما يمنعك من زيارتنا قال ما قال الأول : زر غبا تزدد حبا . وروي بإسناد ضعيف مرفوعا { زر غبا تزدد حبا } أخذه الشاعر فقال :

إذا شئت أن تقلى فزر متواترا وإن شئت أن تزداد حبا فزر غبا

ولعلي بن أبي طالب الكاتب :

إني رأيتك لي محبا     ولي حين أغيب صبا
فهجرت لا لملالة     حدثت ولا استحدثت ذنبا
إلا لقول نبينا     زوروا على الأيام غبا
ولقوله من زار غبا     منكم يزداد حبا

وقال سفيان بن عيينة

فضع الزيارة حيث لا يزري بنا     كرم المزور ولا يعاب الزائر



وقال ابن عبد البر ولبعض أهل هذا العصر :

أزور خليلي ما بدا لي هشه     وقابلني منه البشاشة والبشر
فإن لم يكن هش وبش تركته     ولو كان في اللقيا الولاية والبشر
وحق الذي ينتاب داري زائرا     طعام وبر قد تقدمه بشر

وقال بعضهم :

إذا مرضتم أتيناكم نزوركم     وتذنبون فنأتيكم ونعتذر

وقال مصعب بن عبد الله الزبيري :

ما لي مرضت فلم يعدني عائد     منكم ويمرض كلبكم فأعود

[ ص: 570 ] وأنشد المبرد :

عليك بإقلال الزيارة إنها     تكون إذا دامت إلى الهجر مسلكا
فإني رأيت القطر يسأم دائما     ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا

وادعى أبو بشر البندنيجي أن البيتين له في شعر طويل .

وقال أبو تمام :

وطول لقاء المرء في الحي مخلق     لديباجتيه فاغترب تتجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبة     على الناس أن ليست عليهم بسرمد

وقال ابن وكيع :

إن كان قد بعد اللقاء فودنا     باق ونحن على النوى أحباب
كم قاطع للوصل يؤمن وده     ومواصل بوداده من تاب

وقال الطائي :

ولئن جفوتك في العيادة إنني     لبقاء جسمك في الدعاء لجاهد
ولربما ترك العيادة مشفق     وطوى على غل الضمير العائد

وله أيضا :

ذو الفضل لا يسلم من قدح     وإن غدا أقوم من قدح



وفي نوادر ابن الصيرفي الحنبلي أنشدوا :

لا تضجرن عليلا في مساءلة     إن العيادة يوما بين يومين
بل سله عن حاله وادع الإله له     واجلس بقدر فواق بين حلبين
من زار غبا أخا دامت مودته     وكان ذاك صلاحا للخليلين

[ ص: 571 ] وفيها أيضا نقل عن إمامنا رضي الله عنه قال له ولده يا أبت إن جارنا فلانا مريض فما تعوده قال يا بني ما عادنا فنعوده .

وروى الخطابي عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال إذا كثر الأخلاء كثر الغرماء .

وعن سفيان قال كثرة أصدقاء المرء من سخافة دينه قال الخطابي يريد أنه ما لم يداهنهم ولم يجابهم لم يكثروا ; لأن الكثرة إنما هي في أهل الريبة ، إذا كان الرجل من أهل الدين لم يصحب إلا الأبرار والأتقياء وفيهم قلة وعن مالك أنه كان يشهد الجنائز ، ويعود المرضى ويعطي الإخوان حقوقهم فترك واحدا واحدا واحدا حتى تركها كلها وكان يقول لا يتهيأ للمرء أن يخبر بكل عذر .

وعن ابن وهب قال لا تعد إلا من يعودك ولا تشهد جنازة من لا يشهد جنازتك ، ولا تؤد حق من لا يؤدي حقك فإن عدلت عن ذلك فأبشر بالجور قال الخطابي يراد به التأديب والتقويم دون المكافأة ، والمجازاة وبعض هذا مما يراض به بعض الناس وقد روي فيما يشبه هذا المعنى حديث مرفوع ، ثم روي بإسناده عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا خير في صحبة من لا يرى لك مثل الذي ترى له } روى ذلك كله الخطابي في كتاب العزلة وغيره وفيه أيضا عن الشافعي قال رضى الناس غاية لا تدرك ليس إلى السلام من الناس سبيل فانظر ما فيه صلاح نفسك فالزمه ودع الناس وما هم فيه وعنه أيضا رحمه الله قال : أصل كل عداوة الصنيعة إلى الأنذال .

التالي السابق


الخدمات العلمية