غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في كراهة أن يأتي الرجل أهله طروقا .

( ولا سيما ) هذه كلمة تدخل ما بعدها فيما قبلها بطريق الأولى أي يكره دخول الهاجم من غير استئذان ولا إعلام كراهة أشد من الأولى حيث كان الهاجم قادما ( من سفرة ) كان قد سافرها ولو كانت قريبة ( و ) أشد من ذلك حيث كان قادما من مكان ذي ( تبعد ) أي بعد ، فإذا كان الإنسان مسافرا سفرا بعيدا كره له أن يأتي ليلا ، { ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى إذا أطال الرجل الغيبة أن يأتي أهله طروقا } .

وفي رواية { نهى أن يطرق أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم } .

قال الخلال : أخبرني محمد بن موسى أن أبا عبد الله سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم { لا تأتوا النساء طروقا } قال : نعم يؤذنهم قبل بكتاب ، وهذا الخبر في الصحيحين من حديث جابر وفي آخره { كي تمتشط الشعثة وتستحد المعنية } .

وفي مسلم { يتخونهم أو يطلب عثراتهم } وفيهما عن جابر { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطال الرجل الغيبة أن يجيء أهله طروقا } وهو بضم الطاء أي ليلا .

يقال لكل من أتاك ليلا طارق ، ومنه قوله تعالى { والسماء والطارق } يعني النجم ; لأنه يطرق بطلوعه ليلا .

وقوله في الحديث { تستحد } أي تصلح من شأن نفسها ، والاستحداد مشتق من الحديد ، وهو إزالة الشعر بالموسى .

وقوله ( { المعنية } يعني ذات العانة ، يقال : استعان الرجل يعني إذا حلق عانته ، واستعمل الاستحداد على طريق الكناية والتورية والمراد كي تمتشط وتهيئ حالها ، وتزيل الشعر الذي تعافه النفوس وهو شعر العانة .

قال النووي في شرح مسلم : معنى هذه الروايات كلها أنه يكره لمن طال [ ص: 312 ] سفره أن يقدم على امرأته ليلا بغتة ، قال : وأما إذا كان سفره قريبا تتوقع امرأته إتيانه ليلا فلا بأس . انتهى .

( تنبيهان ) :

( الأول ) : استوجبه صاحب الآداب الكبرى أن من طرق أهله ليلا طلبا لعثراتهم وتتبعا لعوراتهم حرم عليه ذلك ; لأنه من التجسس والإكراه .

قال : وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم الليل بذلك ; لأنه الغالب لا لاختصاص الحكم .

وقول الإمام أحمد يؤذنهم بكتاب يقتضي ذلك ، وإلا لكان قال الإمام يدخل نهارا وهو ظاهر إطلاق الناظم ، فإن كلامه يشمل النهار كالليل .

( الثاني ) : ظاهر إطلاق كلام الناظم عدم الفرق بين السفر القصير والبعيد ، بل يدل عطفه البعيد على السفر أن المراد بالمعطوف عليه القصير كما هو شأن العطف .

نعم ظاهر كلام الحجاوي عدم الكراهة في السفر القريب كما قال النووي ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية