غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في أن للخوف أسبابا وأنه واجب على كل مؤمن .

قال الإمام الحافظ ابن الجوزي في تبصرته في قوله تعالى { وخافون إن كنتم مؤمنين } : الخوف واجب على كل مؤمن ، وهو واقع بأسباب . فمنها الخوف بسابق الذنب ، ومنها حذر التقصير في الواجبات ، ومنها الخوف من السابقة أن تكون على ما يكره ، ومنها خوف الإجلال والتعظيم كما قال تعالى { يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون } ومن تفكر فيما عليه في [ ص: 465 ] السابق لم يزل منزعجا خائفا خوفا لا يملك رده .

واعلم أن الخوف إذا أفرط قتل ، والمحمود منه المتوسط وهو الذي يقمع الشهوات ، ويكدر اللذات ، ويكف الجوارح عن المعاصي ويلزمها الطاعة . وقد ينحل البدن ، ويذهب الوسن ، ويزيد به البكاء ، ولذلك قيل : ليس الخائف من بكى وعصر عينيه ، وإنما الخائف من ترك ما يعذب عليه .

وأخرج أبو الشيخ في كتاب الثواب والبيهقي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها } .

وأخرج الحاكم وقال صحيح الإسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { لما أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على أصحابه ، فخر فتى مغشيا عليه ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو يتحرك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا فتى قل : لا إله إلا الله فقالها فبشره بالجنة . فقال أصحابه : يا رسول الله أمن بيننا ، فقال أوما سمعتم قوله تعالى { ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } }

وللخوف مناقب ومآثر كثيرة جدا ، وهو سوط يسوق المتواني ، ويقوم الأعوج ، ويرد الشارد ، والله الموفق . .

التالي السابق


الخدمات العلمية