غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في قتل غربان غير الزرع وما أشبهها : وغربان غير الزرع أيضا وشبهها كذا حشرات الأرض دون تقيد ( و ) يحسن في الحل ، والحرم للحلال ، والمحرم قتل ( غربان ) جمع غراب ( غير ) غراب ( الزرع ) فلا يحل قتله في الحرم ولا للمحرم لإباحة أكله ( أيضا ) مصدر آض إذا رجع أي كما يحسن قتل النمر ، والأسد يحسن قتل غربان غير الزرع ، والمراد بالذي يحسن قتله غراب البين ، والأبقع بخلاف غراب الزرع ، وهو ذو المنقار الأحمر ، وكذا الزاغ فلا يحل قتله في الحرم [ ص: 45 ] للمحرم لإباحة أكله ووجوب الفدية في قتله وسمي الغراب غرابا لسواده ومنه قوله تعالى { وغرابيب سود } وهما لفظتان بمعنى واحد .

وفي حديث رشد بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله يبغض الشيخ الغربيب } فسره رشد بالذي يخضب . ويجمع الغراب على غربان كما في النظم وأغربة وغرابين وغرب ، وقد جمعها ابن مالك في قوله :

    بالغرب اجمع غرابا وأغربة
وأغرب وغرابين وغربانا

وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : خمس من الدواب ليس على قاتلهن جناح : الغراب ، والحدأة ، والفأرة ، والكلب ، والحية } .

وفي سنن ابن ماجه ، والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الحية فاسقة ، والفأرة فاسقة ، والغراب فاسق } ، وفي سنن ابن ماجه أيضا قيل لابن عمر رضي الله عنهما : أيؤكل الغراب قال : ومن يأكله بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنه فاسق } قال ابن قتيبة : إنما سمي الغراب فاسقا فيما أرى لتخلفه حين أرسله نوح عليه السلام ليأتيه بخبر الأرض فترك أمره ووقع على جيفة ، وقال صاحب المجالسة : سمي غراب البين ; لأنه بان عن نوح عليه السلام لما وجهه لينظر الماء فذهب ولم يرجع ; فلذلك العرب تشاءموا به ، وروى الإمام أحمد في الزهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان إذا نعب الغراب قال : اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ، وإنما تشاءمت الجاهلية بالغراب ; لأنه إذا بان أهل منزلة عنها وقع موضعهم يلتمس ويتقمقم فتشاءموا به لذلك وتطيروا منه إذ كان لا يعتري منازلهم إلا إذا بانوا عنها ; فلذا سموه غراب البين ، قال فيه شاعرهم :

وصاح غراب فوق أعواد بانة     بأخبار أحبابي فقسمني الفكر
فقلت غراب باغتراب وبانة     ببين النوى تلك العيافة والزجر
وهب جنوب باجتنابي منهم     وهاجت صبا قلت الصبابة والهجر



( تنبيه ) : الغراب أصناف : منها غراب الزرع والزاغ ، وهما حلال كما بيناه قريبا ، ومنها الغداف بالغين المعجمة غراب القيظ ، وهو الغراب الضخم لونه كلون الرماد وليس هو الذي يسمى القاق . قال الحجاوي في لغة إقناعه [ ص: 46 ] ، والعقعق كجعفر طائر نحو الحمامة طويل الذنب فيه بياض وسواد ، وهو نوع من الغربان ويسمى القاق ، والعرب تتشاءم به انتهى .

وفي حياة الحيوان العقعق كثعلب ويسمى كندشا بالشين المعجمة ، وصوته العقعقة ، وهو طائر على قدر الحمامة على شكل الغراب ، وجناحاه أكبر من جناحي الحمامة ، وهو ذو لونين أبيض وأسود طويل الذنب ، ويقال له القعقع أيضا ، وهو لا يأوي تحت سقف ولا يستظل به ويوصف بالسرقة ، والخبث ، والعرب تضرب به المثل في جميع ذلك . قال شاعرهم :

إذا بارك الله في طائر     فلا بارك الله في العقعق
قصير الجناح طويل الذناب     متى ما يجد غفلة يسرق
يقلب عينين في رأسه     كأنهما قطرتا زئبق

ومنها الأكحل ، والأورق ، والغراب الأعصم عزيز الوجود قالت العرب : أعز من الغراب الأعصم ، وقال صلى الله عليه وسلم { : مثل المرأة الصالحة من النساء كمثل الغراب الأعصم في مائة غراب } رواه الطبراني من حديث أبي أمامة .

وفي رواية { قيل : يا رسول الله وما الغراب الأعصم قال : الذي إحدى رجليه بيضاء } رواه ابن أبي شيبة ، وروى الإمام أحمد ، والحاكم في آخر مستدركه عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ، فإذا بغربان كثيرة فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين فقال : لا يدخل الجنة من النساء إلا مثل هذا الغراب في هذه الغربان } وإسناده صحيح .

قال الغزالي في الإحياء : الأعصم الأبيض البطن ، وقال غيره : الأعصم الأبيض الجناحين وقيل : أبيض الرجلين أراد قلة الصالحة في النساء وقلة من يدخل الجنة منهن . وفيه بحث ذكرته مع جوابه في كتابي البحور الزاخرة في علوم الآخرة والله أعلم .

( و ) يحسن في الحل ، والحرم للحلال ، والمحرم قتل ( شبهها ) أي شبه الغربان كالحدأة واللقلق ، وهو طائر نحو الإوزة طويل العنق يأكل الحيات ومثل ذلك النيص ، والقنفذ بالذال المعجمة وبضم الفاء وفتحها فقد روى أبو داود أن ابن عمر سئل عنه فقرأ { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الآية فقال شيخ عنده : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول { : ذكر القنفذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : خبيث من [ ص: 47 ] الخبائث } فقال ابن عمر : إن كان قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا فهو كما قال والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية