غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في أوصاف الفهد وتشبيه المرأة زوجها به في حديث أم زرع .

( و ) ( كفهد ) واحد الفهود وفهد الرجل أشبه الفهد في كثرة نومه وتمدده . وفي حديث أم زرع قالت الخامسة زوجي إن دخل فهد ، وإن خرج أسد ولا يسأل عما عهد ، وقال بعضهم : يأكل ما وجد ولا يسأل عما عهد ولا يرفع اليوم لغد . قال القاضي عياض في شرح حديث أم زرع : قال ابن الأنباري : أي نام وغفل كالفهد لكثرة نومه يقال أنوم من فهد ، وقال أبو عبيد تصفه بكثرة النوم ، والغفلة على وجه المدح له . وقولها ، وإن خرج أسد تمدحه بالشجاعة أي صار كالأسد يقال أسد الرجل واستأسد إذا صار كذلك . وقولها عما عهد أي رأى في البيت وعرف . قال أبو عبيد : لا يتفقد ما ذهب من ماله ولا يلتفت إلى معايب البيت وما فيه فكأنه ساء عن ذلك .

قال ابن حبيب : وصفته بأنه في اللين والدعة ، والغفلة عندها كالفهد ، وإذا خرج كان كالأسد في شجاعته ، ولم ترد النوم كما قال شارح العراقيين . قال : وقد ورد للنبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا في وصف علي وذم من كان بخلافه فروي عنه صلى الله عليه وسلم قال { : إن الله يبغض الذواق المطلاق الذي أراه لا يأكل ما وجد ويسأل عما فقد ، وهو عند أهله كالأسد ، وكان [ ص: 78 ] خارجا كالثعلب ، لكن علي لفاطمة يأكل ما وجد ولا يسأل عما فقد ، وهو عندها كالثعلب وخارجا كالأسد } قال القاضي عياض : والأولى أن يكون ذكر فهد هنا على معنى الاستعارة جعلت كثرة تغافله كالنوم والله أعلم لا سيما ، وقد وصف الفهد بالحياء وقلة الشره وهذه كلها خلق مدح ، وهي راجعة إلى ما أشار إليه أبو عبيد .

قال في حياة الحيوان : وزعم أرسطو أن الفهد متولد بين أسد ونمر ومزاجه مثل النمر ، وفي طبعه مشابهة بالكلب في أدواته وذاته ويقال : إن الفهدة إذا أثقلت بالحمل حن عليها كل ذكر يراها من الفهود ويواسيها من صيده ، فإذا أرادت الولادة هربت إلى موضع قد أعدته لذلك ويوصف الفهد بكثرة النوم وكثرة الغضب ، فإذا وثب على فريسة لا يتنفس حتى ينالها فيحمى لذلك وتمتلئ رئته من الهواء الذي حبسه ، فإذا أخطأ صيده رجع مغضبا وربما قتل سائسه . ومن طبعه الإساءة إلى من يحسن إليه . وكبار الفهود أقبل للتأديب من صغارها .

وأول من صاد بالفهد كليب بن وائل وأول من حمله على الخيل يزيد بن معاوية . وأكثر من اشتهر باللعب بها أبو مسلم الخراساني . وحكمه تحريم الأكل ; لأنه ذو ناب كالأسد والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية