غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
[ ص: 314 ] مطلب : في بيان ما يجب أن يمنع من وقوعه في المساجد .

( النوع الثالث ) : فيما يجب أن يمنع من وقوعه في المساجد .

فيحرم على الجنب أن يلبث في المسجد بلا وضوء ولا تيمم بلا حاجة ، فإن توضأ جاز له اللبث ، ولو انتقض وضوءه حتى قبل دخول المسجد في المعتمد .

ويمنع نجس البدن من اللبث فيه .

ويمنع من اختلاط النساء بالرجال وإيذاء المصلين بقول أو فعل .

ويمنع السكران من دخوله .

قال الإمام ابن عقيل : أنا أبرأ إلى الله - تعالى - من جموع أهل زماننا في المساجد والمشاهد ليالي يسمونها إحياء ، لعمري إنها لإحياء أهوائهم .

وإيقاد شهواتهم .

قال في الآداب : وهذا في زمانه الذي بيننا وبينه نحو ثلاثمائة سنة .

قال وما يجري بالشام ومصر والعراق وغيرها من بلاد الإسلام في المواسم من المنكرات في زماننا أضعاف ما كان في زمانه فإنا لله وإنا إليه راجعون .

قلت : وهذا الذي قاله ابن مفلح في آدابه في زمانه ، وهو رضي الله عنه قد توفي سنة ثلاث وستين وسبعمائة ، فما بالك بعصرنا هذا الذي نحن فيه وهو في المائة الثانية عشر ، وقد انطمست معالم الدين ، وطفئت إلا من بقايا حفظة الدين ، فصارت السنة بدعة ، والبدعة شرعة ، والعبادة عادة والعادة عبادة .

فعالمهم عاكف على شهواته ، وحاكمهم متماد في غفلاته ، وأميرهم لا حلم لديه ، ولا دين ، وغنيهم لا رأفة عنده ، ولا رحمة للمساكين ، وفقيرهم متكبر ، وغنيهم متجبر .

مطلب : متصوفة زماننا وما يفعلونه من المنكرات .

فلو رأيت جموع صوفية زماننا ، وقد أوقدوا النيران ، وأحضروا آلات المعازف بالدفوف المجلجلة ، والطبول والنايات والشباب ، وقاموا على أقدامهم يرقصون ويتمايلون ، لقضيت بأنهم فرقة من بقية أصحاب السامري وهم على عبادة عجلهم يعكفون .

أو حضرت مجمعا وقد حضره العلماء بعمائمهم الكبار والفراء المثمنة ، والهيئات المستحسنة ، وقدموا قصاب الدخان ، التي هي لجامات الشيطان ، وقد ابتدر ذو نغمة ينشد من الأشعار المهيجة [ ص: 315 ] فوصف الخدود والنهود والقدود ، وقد أرخى القوم رءوسهم ونكسوها ، واستمعوا للنغمة واستأنسوها ، لقلت وهم لذلك مطرقون : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون .

فإنا لله وإنا إليه راجعون .

وكل هذا بالنسبة لطائفة زعمت العرفان يهون .

فإنهم مع انكبابهم على الشهوات ، وارتكابهم المعاصي وانتحالهم الشبهات ، يزعمون الاتحاد والحلول ، ويزعمون أنهم الطائفة الناجية ، وأنهم هم الأئمة والفحول .

ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق كما في صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه { لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم } .

والله الموفق . .

التالي السابق


الخدمات العلمية