الآية الثانية 
قوله تعالى : { فصل لربك وانحر   } فيها خمس مسائل : 
المسألة الأولى قوله تعالى : { 
فصل   } فيه أربعة أقوال : 
الأول اعبد . 
الثاني : صل الصلوات الخمس . 
الثالث : صل يوم العيد . 
الرابع : صل الصبح بجمع . 
المسألة الثانية قوله : { 
وانحر   } فيه قولان : أحدهما اجعل يدك على نحرك إذا صليت . 
الثاني : انحر البدن والضحايا . 
المسألة الثالثة في تحقيق المراد من هذه الأقوال لهذه الآية : أما من قال : إنها العبادة فاحتج بأنها أصل الصلاة لغة وحقيقة على كل معنى ، وبكل اشتقاق ، فكأنه قال تعالى له صلى الله عليه وسلم : فاعبد ربك ولا تعبد غيره ، وانحر له  
[ ص: 395 ] ولا تنحر لسواه من الأصنام والأوثان والأنصاب حسبما كانت عليه 
العرب  وقريش  في جاهليتها . 
وأما من قال : إنها الصلوات الخمس فلأنها ركن العبادات ، وقاعدة الإسلام ، وأعظم دعائم الدين . 
وأما من قال : إنها صلاة الصبح 
بالمزدلفة  فلأنها مقرونة بالنحر ، وهو في ذلك اليوم ، ولا صلاة فيه قبل النحر غيرها ، فخصصها من جملة الصلوات لاقترانها بالنحر ، فأما 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك  فقال : ما سمعت فيه شيئا . والذي يقع في نفسي أن المراد بذلك صلاة الصبح يوم النحر والنحر بعدها . 
قال القاضي رضي الله عنه : قد سمعنا فيه أشياء ، وروينا محاسن : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي    : قوله : فصل لربك وانحر . قال : ضع يدك اليمنى على ساعدك [ اليسرى ] ثم ضعهما على نحرك قاله [ 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، وقاله ] 
أبو الجوزاء    . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد    : قوله : { 
وانحر   } يوم النحر . 
وقال 
الحكم    : قوله : { 
لربك وانحر   } صلاة الفجر والنحر . 
وعن 
جعفر بن علي بن أبي طالب  رضي الله عنه : الصلاة الصلاة ، النحر النحر . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير    : الصلاة ركعتان يوم النحر 
بمنى  ثم اذبح . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء    : موقفهم بجمع صلاتهم ، والنحر النحر . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد    : النحر لنا والذبح 
لبني إسرائيل    . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء    : إن شاء ذبح ، وإن شاء نحر . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء  أيضا : فصل لربك وانحر : إذا صليت الصبح فانحر . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي    : إنا أعطيناك الكوثر فلا تكن صلاتك ولا نحرك إلا لله . 
وروى 
أبو معاوية البجلي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير  أن سبب هذه الآية { 
يوم الحديبية    ; أتاه جبريل  ، فقال : انحر وارجع . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب خطبة الفطر والأضحى ، ثم ركع ركعتين ، ثم انصرف إلى البدن فنحرها ; فذلك حين يقول : { فصل لربك وانحر   }   } .  
[ ص: 396 ] 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة    : صلاة الأضحى والنحر نحر البدن . 
فهذه أقوال أقران 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك  ومتقدميه فيها كثير . وقد تركنا أمثالها . 
والذي أراد 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك  أنه أخذه من الأقران بين الصلاة والنحر ، ولا يقرنان إلا يوم النحر ، والاستدلال بالقرآن ضعيف في نفسه ما لم يعتضد بدليل من غيره . 
والذي عندي أنه أراد : اعبد ربك وانحر له ، ولا يكن عملك إلا لمن خصك بالكوثر ، وبالحري أن يكون جميع العمل يوازي هذه الخصيصة من الكوثر ، وهو الخير الكثير الذي أعطاك الله إياه ، أو النهر الذي طينته مسك ، وعدد آنيته عدد نجوم السماء ، أما أن يوازي هذا صلاة يوم النحر وذبح كبش أو بقرة أو بدنة فذلك بعيد في التقدير والتدبير وموازنة الثواب للعباد .