صفحة جزء
باب جعل تعليم القرآن صداقا 2738 - ( عن سهل بن سعد : { أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك ، فقامت قياما طويلا ، فقام رجل فقال : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل عندك من شيء تصدقها إياه ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئا فقال : ما أجد شيئا ، فقال : التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل معك من القرآن شيء ؟ قال : نعم سورة كذا وسورة كذا ، لسور يسميها ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : قد زوجتكها بما معك من القرآن } متفق عليه .

وفي رواية متفق عليها : { قد ملكتكها بما معك من القرآن } وفي رواية متفق عليها : { فصعد فيها النظر وصوبه } ) .

2739 - ( وعن أبي النعمان الأزدي قال : { زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن ، ثم قال : لا يكون لأحد بعدك مهرا } رواه سعيد في سننه وهو مرسل ) .


حديث أبي النعمان مع إرساله قال في الفتح : فيه من لا يعرف .

وفي الباب عن أبي هريرة عن أبي داود والنسائي . وعن ابن مسعود عند الدارقطني . وعن ابن عباس عند أبي الشيخ وأبي عمر بن حيويه في فوائده . وعن ضميرة جد حسين بن عبد الله عند الطبراني . وعن أنس عند البخاري والترمذي . وعن أبي أمامة عند تمام في فوائده . وعن جابر عند أبي الشيخ .

قوله : ( جاءته امرأة ) قال الحافظ : هذه المرأة لم أقف على اسمها . ووقع في الأحكام لابن الطلاع أنها خولة بنت حكيم أو أم شريك ، وهذا نقل من اسم الواهبة الوارد في قوله تعالى: { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } صلى الله عليه وسلم ، ولكن هذه غيرها . قوله : ( وهبت نفسي ) هو على حذف مضاف : أي أمر نفسي ; لأن [ ص: 203 ] رقبة الحر لا تملك . قوله : ( فقام رجل ) قال الحافظ : لم أقف على اسمه . ووقع في رواية للطبراني : " فقام رجل أحسبه من الأنصار " . قوله : ( ولو خاتما ) في رواية : " ولو خاتم " بالرفع على تقدير حصل . ولو في قوله : " ولو خاتما " تعليلية . قال عياض : ووهم من زعم خلاف ذلك ووقع في رواية عند الحاكم والطبراني من حديث سهل : { زوج رجلا بخاتم من حديد فصه فضة } . قوله : ( هل معك من القرآن شيء ؟ ) المراد بالمعية هنا : الحفظ عن ظهر قلبه . وقد وقع في رواية : " أتقرؤهن على ظهر قلبك " بعد قوله : " معي سورة كذا ومعي سورة كذا " وكذلك في رواية الثوري عند الإسماعيلي بلفظ : " قال : عن ظهر قلبك ؟ قال : نعم " .

قوله : ( سورة كذا وسورة كذا ) وقع في رواية من حديث أبي هريرة : " سورة البقرة أو التي تليها " كذا عند أبي داود والنسائي . ووقع في حديث ابن مسعود : " نعم سورة البقرة وسورة من المفصل " وفي حديث ضميرة : { زوج صلى الله عليه وسلم رجلا على سورة البقرة لم يكن عنده شيء } وفي حديث أبي أمامة : { زوج صلى الله عليه وسلم رجلا من الصحابة امرأة على سورة من المفصل جعلها مهرا وأدخلها عليه ، وقال : علمها } ، وفي حديث أبي هريرة : { فعلمها عشرين آية وهي امرأتك } ، وفي حديث ابن عباس : { أزوجها منك على أن تعلمها أربع أو خمس سور من كتاب الله } وفي حديث ابن عباس وجابر : { هل تقرأ من القرآن شيئا ؟ قال : نعم ، إنا أعطيناك الكوثر ، قال : أصدقها إياها } .

قال الحافظ : ويجمع بين هذه الألفاظ بأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض ، أو أن القصص متعددة . والحديث يدل على جواز جعل المنفعة صداقا ولو كانت تعليم القرآن . قال المازري : هذا ينبني على أن الباء للتعويض كقولك : بعتك ثوبي بدينار ، قال : وهذا هو الظاهر ، وإلا لو كانت بمعنى اللام على معنى تكرمه لكونه حاملا للقرآن لصارت المرأة بمعنى الموهوبة ، والموهوبة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقال الطحاوي والأبهري وغيرهما بأن هذا خاص بذلك الرجل لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يجوز له نكاح الواهبة ، فكذلك يجوز له إنكاحها من شاء بغير صداق . واحتجوا على هذا بمرسل أبي النعمان المذكور لقوله فيه : " لا يكون لأحد بعدك مهرا " . وأجيب عنه بما تقدم من إرساله وجهالة بعض رجال إسناده . وأخرج أبو داود من طريق مكحول قال : ليس هذا لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم . وأخرج أبو عوانة من طريق الليث بن سعد نحوه

، ولا حجة في أقوال التابعين . قال عياض : يحتمل قوله : " بما معك من القرآن " وجهين أظهرهما : أن يعلمها ما معه من القرآن أو مقدارا معينا منه ويكون ذلك صداقها ، وقد جاء هذا التفسير عن مالك . ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة : فعلمها من القرآن ، وعين في حديث أبي هريرة مقدار ما يعلمها وهو عشرون آية . ويحتمل أن تكون الباء بمعنى [ ص: 204 ] اللام : أي لأجل ما معك من القرآن ، فأكرمه بأن زوجه المرأة بلا مهر ، لأجل كونه حافظا للقرآن أو لبعضه . ونظيره قصة أبي طلحة مع أم سليم فيما أخرجه النسائي وصححه عن أنس قال : { خطب أبو طلحة أم سليم فقالت : والله ما مثلك يرد ، ولكنك كافر وأنا مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك ، فإن تسلم فذلك مهري ولا أسألك غيره ، فكان ذلك مهرها } . وأخرج النسائي أيضا نحوه من طريق أخرى ويؤيد الاحتمال الأول ما أخرجه ابن أبي شيبة والترمذي من حديث أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل رجلا من أصحابه : يا فلان هل تزوجت ؟ قال : لا ، وليس عندي ما أتزوج به قال : أليس معك قل هو الله أحد } .

وأجاب بعضهم عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم زوجها إياه لأجل ما معه من القرآن الذي حفظه وسكت عن المهر فيكون ثابتا في ذمته إذا أيسر كنكاح التفويض . ويؤيده ما في حديث ابن عباس حيث قال فيه : { فإذا رزقك الله فعوضها } قال في الفتح : لكنه غير ثابت . وأجاب البعض باحتمال أن النبي صلى الله عليه وسلم زوجه لأجل ما حفظه من القرآن وأصدق عنه كما كفر عن الذي واقع امرأته في رمضان ، ويكون ذكر القرآن وتعليمه على سبيل التحريض على تعلم القرآن وتعليمه والتنويه بفضل أهله . وأجيب بما تقدم من التصريح بجعل التعليم عوضا .

وقد ذهب إلى جواز جعل المنفعة صداقا الشافعي وإسحاق والحسن بن صالح ، وبه قالت العترة ، وعند المالكية فيه خلاف ، ومنعه الحنفية في الحر وأجازوه في العبد ، إلا في الإجارة على تعليم القرآن فمنعوه مطلقا بناء على أن أصلهم في أخذ الأجرة على تعليم القرآن لا يجوز ، وقد تقدم الكلام على ذلك . وقد نقل القاضي عياض جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافة إلا الحنفية . وقال ابن العربي : من العلماء من قال : زوجه على أن يعلمها من القرآن ، فكأنها كانت إجارة ، وهذا كرهه مالك ومنعه أبو حنيفة . وقال ابن القاسم : يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده . قال : والصحيح جوازه بالتعليم .

وقال القرطبي : قوله : " علمها " نص في الأمر بالتعليم ، والسياق يشهد بأن ذلك لأجل النكاح فلا يلتفت لقول من قال : إن ذلك كان إكراما للرجل ، فإن الحديث مصرح بخلافه . وقولهم : إن الباء بمعنى اللام ليس بصحيح لغة ولا مساقا .

وفي الحديث فوائد : منها : ثبوت ولاية الإمام على المرأة التي لا قريب لها ، وقد أطال الكلام على ما يتعلق بالحديث من الفوائد في الفتح ، وذكر أكثر من ثلاثين فائدة ، فمن أحب الوقوف على ذلك فليرجع إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية