صفحة جزء
كتاب الإيلاء [ ص: 303 ] عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : { آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم ، فجعل الحرام حلالا وجعل في اليمين الكفارة } . رواه ابن ماجه والترمذي وذكر أنه قد روي عن الشعبي مرسلا وأنه أصح ) .

2890 - ( وعن ابن عمر قال : إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق ، يعنى المولي . أخرجه البخاري ، وقال : ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أحمد بن حنبل في رواية أبي طالب : قال عمر وعثمان وعلي وعن عمر : يوقف المولي بعد الأربعة ، فإما أن يفيء وإما أن يطلق ) .

2891 - ( وعن سليمان بن يسار قال : أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يقفون المولي . رواه الشافعي والدارقطني ) .

2892 - ( وعن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال : سألت اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يولي ، قالوا : ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف ، فإن فاء وإلا طلق . رواه الدارقطني )


حديث الشعبي قال الحافظ في الفتح : رجاله موثقون ولكنه رجح الترمذي إرساله على وصله . وأثر عمر ذكره البخاري موصولا من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس . وأثر عثمان وصله الشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بلفظ { يوقف المولي فإما أن يفيء وإما أن يطلق } وهو من رواية طاوس عنه ، وفي سماعه منه نظر ، لكن أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر منقطع عنه أنه كان لا يرى الإيلاء شيئا وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف .

وأخرج عبد الرزاق والدارقطني [ ص: 304 ] عنه خلاف ذلك ، ولفظه " قال عثمان : إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة " وقد رجح أحمد رواية طاوس عنه وأثر علي وصله الشافعي وابن أبي شيبة وسنده صحيح ، وكذلك روى عنه مالك : " أنه إذا مضت الأربعة أشهر لم يقع عليه طلاق حتى يوقف ، فإما أن يطلق وإما أن يفيء " وهو منقطع لأنه من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عنه .

وأخرج نحوه عنه سعيد بن منصور بإسناد صحيح . وأثر أبي الدرداء وصله ابن أبي شيبة ولفظه : " إن أبا الدرداء قال : يوقف في الإيلاء عند انقضاء الأربعة ، فإما أن يطلق وإما أن يفيء " وإسناده صحيح . وأثر عائشة وصله عبد الرزاق مثل قول أبي الدرداء وهو منقطع لأنه من رواية قتادة عنها ، ولكنه أخرج عنها سعيد بن منصور أنها كانت لا ترى الإيلاء شيئا حتى يوقف ، وإسناده صحيح . وأخرج الشافعي عنها نحوه بإسناد صحيح أيضا وأما الآثار الواردة عن اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجها البخاري في تاريخه موصولة .

وأثر سليمان بن يسار أخرجه أيضا إسماعيل القاضي من طريق يحيى بن سعيد بن سليمان بن يسار قال : " أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : الإيلاء لا يكون طلاقا حتى يوقف " وأثر سهيل بن أبي صالح إسناده في سنن الدارقطني هكذا : أخبرنا أبو بكر النيسابوري ، أخبرنا أحمد بن منصور ، أخبرنا ابن أبي مريم ، أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه فذكره ، ويشهد له ما تقدم .

وأخرج إسماعيل القاضي عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال : أدركنا الناس يقفون الإيلاء إذا مضت الأربعة وفي الباب من المرفوع عن أنس عند البخاري : { أن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه } الحديث . وعن أم سلمة عند البخاري بنحوه . وعن ابن عباس عنه : { أنه صلى الله عليه وسلم أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا } وعن جابر عند مسلم { أنه صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه شهرا }

قوله : ( آلى ) الإيلاء في اللغة : الحلف .

وفي الشرع : الحلف الواقع من الزوج أن لا يطأ زوجته . ومن أهل العلم من قال : الإيلاء : الحلف على ترك كلامها أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك . ونقل عن الزهري أنه لا يكون الإيلاء إيلاء إلا أن يحلف المرء بالله فيما يريد أن يضار به امرأته من اعتزالها ، فإذا لم يقصد الإضرار لم يكن إيلاء .

وروي عن علي وابن عباس والحسن وطائفة أنه لا إيلاء إلا في غضب ، فأما من حلف أن لا يطأها بسبب الخوف على الولد الذي يرضع منها من الغيلة فلا يكون إيلاء

وروي عن القاسم بن محمد وسالم فيمن قال لامرأته : إن كلمتك سنة فأنت طالق ، قالا : إن مضت أربعة أشهر ولم يكلمها طلقت . وإن كلمها قبل سنة فهي طالق .

وروي عن يزيد بن الأصم أن ابن عباس قال له : " ما فعلت امرأتك فعهدي بها سيئة الخلق فقال : لقد خرجت وما أكلمها ، قال : أدركها قبل أن [ ص: 305 ] تمضي أربعة أشهر ، فإن مضت فهي تطليقة " قوله : ( وحرم ) في الصحيحين أن الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه هو العسل . وقيل : تحريم مارية وسيأتي . وروى ابن مردويه من طريق عائشة ما يفيد الجمع بين الروايتين ، وهكذا الخلاف في تفسير قوله تعالى: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } الآية . ومدة إيلائه صلى الله عليه وسلم من نسائه شهر كما ثبت في صحيح البخاري . واختلف في سبب الإيلاء ، فقيل : سببه الحديث الذي أفشته حفصة كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس . واختلف أيضا في ذلك الحديث الذي أفشته ، وقد وردت في بيانه روايات مختلفة

وقد اختلف في مقدار مدة الإيلاء ، فذهب الجمهور إلى أنها أربعة أشهر فصاعدا قالوا : فإن حلف على أنقص منها لم يكن موليا . وقال إسحاق : إن حلف أن لا يطأها يوما فصاعدا ثم لم يطأها حتى مضت أربعة أشهر فصاعدا كان إيلاء ، وجاء عن بعض التابعين مثله . وحكى صاحب البحر عن ابن مسعود وابن سيرين وابن أبي ليلى وقتادة والحسن البصري والنخعي وحماد بن عيينة أنه ينعقد بدون أربعة أشهر ، لأن القصد مضارة الزوجة وهي حاصلة في دونها . واحتج الأولون بقوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } وأجاب الآخرون عنها بأن المراد بها المدة التي تضرب للمولي ، فإن فاء بعدها وإلا طلق حتما ، لا أنه لا يصح الإيلاء بدون هذه المدة

ويؤيد ما قالوه ما تقدم من إيلائه صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا ، فإنه لو كان ما في القرآن بيانا لمقدار المدة التي لا يجوز الإيلاء دونها لم يقع منه صلى الله عليه وسلم ذلك . وأيضا الأصل أن من حلف على شيء لزمه حكم اليمين ، فالحالف من وطء زوجته يوما أو يومين مول . وأخرج عبد الرزاق عن عطاء أن الرجل إذا حلف أن لا يقرب امرأته سمى أجلا أو لم يسمه ، فإن مضت أربعة أشهر ألزم حكم الإيلاء . وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن البصري أنه إذا قال لامرأته : والله لا أقربها الليلة ، فتركها أربعة أشهر من أجل يمينه تلك فهو إيلاء . وأخرج الطبراني والبيهقي من حديث ابن عباس قال : كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين ، فوقت الله لهم أربعة أشهر ، فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء

قوله : ( فإما أن يفيء ) الفيء : الرجوع ، قاله أبو عبيدة وإبراهيم النخعي في رواية الطبري عنه ، قال : الفيء : الرجوع باللسان . ومثله عن أبي قلابة وعن سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة : الفيء : الرجوع بالقلب لمن به مانع عن الجماع وفي غيره بالجماع . وحكى ذلك في البحر عن العترة والفريقين . وحكاه صاحب الفتح عن أصحاب ابن مسعود . وعن ابن عباس : الفيء : الجماع . وحكي مثله عن مسروق وسعيد بن جبير والشعبي . قال الطبري : اختلافهم في هذا من اختلافهم في تعريف الإيلاء ، فمن خصه بترك الجماع قال : لا يفيء إلا بفعل الجماع . ومن قال : الإيلاء : [ ص: 306 ] الحلف على ترك كلام المرأة أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك لم يشترط في الفيء الجماع ، بل رجوعه بفعل ما حلف أنه لا يفعله

قال في البحر : فرع : ولفظ الفيء : ندمت على يميني ولو قدرت الآن لفعلت أو رجعت عن يميني ونحوه ، انتهى . وقد ذهب الجمهور إلى أن الزوج لا يطالب بالفيء قبل مضي الأربعة الأشهر .

وقال ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة : إنه يطالب فيها لقراءة ابن مسعود { فإن فاءوا } فيهن قالوا : وإذا جاز الفيء جاز الطلب إذ هو تابع . ويجاب بمنع الملازمة وبنص { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } فإن الله سبحانه شرع التربص هذه المدة فلا يجوز مطالبة الزوج قبلها ، واختياره للفيء قبلها إبطال لحقه من جهة نفسه فلا يبطل بإبطال غيره . وذهب الجمهور إلى أن الطلاق الواقع من الزوج في الإيلاء يكون رجعيا ، وهكذا عند من قال : إن مضي المدة يكون طلاقا وإن لم يطلق

وقد أخرج الطبري عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت أنها إذا مضت أربعة أشهر ولم يفئ طلقت طلقة بائنة . وأخرج أيضا عن جماعة من التابعين من الكوفيين وغيرهم كابن الحنفية وقبيصة بن ذؤيب وعطاء والحسن وابن سيرين مثله . وأخرج أيضا من طريق سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن وربيعة ومكحول والزهري والأوزاعي أنها تطلق طلقة رجعية . وأخرج سعيد بن منصور عن جابر بن زيد أنها تطلق بائنا . وروى إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسند صحيح عن ابن عباس مثله ، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية