صفحة جزء
باب ما يصير به الكافر مسلما 3217 - ( عن ابن مسعود قال : { إن الله عز وجل ابتعث نبيه لإدخال رجل الجنة فدخل الكنيسة فإذا يهود ، وإذا يهودي يقرأ عليهم التوراة ، فلما أتوا على صفة النبي صلى الله عليه وسلم أمسكوا وفي ناحيتها رجل مريض ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما لكم أمسكتم ؟ ، فقال المريض : إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا ، ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة فقرأ حتى أتى على صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأمته ، فقال : هذه صفتك وصفة أمتك ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لوا أخاكم } رواه أحمد ) . [ ص: 231 ]

3218 - ( وعن أبي صخر العقيلي قال : حدثني رجل من الأعراب قال : { جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغت من بيعتي قلت : لألقين هذا الرجل ولأسمعن منه ، قال : فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه على ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي ؟ ، فقال برأسه هكذا : أي لا ، فقال ابنه : إي والله الذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، فقال : أقيموا اليهودي عن أخيكم ثم ولي دفنه وجننه والصلاة عليه . } رواه أحمد ) .

3219 - ( وعن أنس : { أن يهوديا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهد أنك رسول الله ثم مات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلوا على صاحبكم } . رواه أحمد في رواية مهنا محتجا به ) .

3220 - ( وعن ابن عمر قال : { بعث رسول الله خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون : صبأنا صبأنا . فجعل خالد يقتل ويأسر ، ودفع إلى كل رجل منا أسيره ، حتى إذا أصبح أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره ، فقلت : والله لا أقتل أسيري ، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين . } رواه أحمد والبخاري ، وهو دليل على أن الكناية مع النية كصريح لفظ الإسلام ) .


حديث ابن مسعود أخرجه أيضا الطبراني . قال في مجمع الزوائد : في إسناده عطاء بن السائب وقد اختلط . وحديث أبي صخر العقيلي ، قال في مجمع الزوائد : أبو صخر لم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح . وقال ابن حجر في المنفعة : قلت اسمه عبد الله بن قدامة وهو مختلف في صحبته ، وجزم البخاري ومسلم وابن حبان وغيرهم بأن له صحبة ، [ ص: 232 ] ثم ذكر ابن حجر في المنفعة الاضطراب في إسناده . وحديث أنس قال في مجمع الزوائد : أخرجه أبو يعلى بإسناد رجاله رجال الصحيح ، والأحاديث المذكورة في الباب بعضها يشهد لبعض ، وقد ورد في معناها أحاديث ، منها ما أخرجه في الموطإ عن رجل من الأنصار : أنه { جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية له فقال : يا رسول الله علي رقبة مؤمنة أفأعتق هذه ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟ قالت : نعم ، قال : أتشهدين أن محمدا رسول الله ؟ قالت : نعم ، قال : أتؤمنين بالبعث بعد الموت ؟ قالت : نعم ، قال : أعتقها } وأخرج أبو داود والنسائي من حديث الشريد بن سويد الثقفي : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية : من ربك ؟ قالت : الله ، قال : فمن أنا ؟ قالت : رسول الله ، قال : أعتقها فإنها مؤمنة } وأخرج مسلم ومالك في الموطإ وأبو داود والنسائي من حديث معاوية بن الحكم السلمي : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية أراد معاوية بن الحكم أن يعتقها عن كفارة : أين الله ؟ فقالت : في السماء ، فقال : من أنا ؟ قالت : أنت رسول الله ، فقال أعتقها } وأخرج نحوه أبو داود من حديث أبي هريرة ، ومثل ذلك أحاديث : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } كما في الأمهات عن جماعة من الصحابة .

قوله : ( ابتعث الله نبيه ) أي بعثه الله من بيته ليحصل بذلك إدخال رجل الجنة وهو الرجل المريض في الكنيسة ، فإن دخوله صلى الله عليه وسلم كان سبب إسلامه الذي صار سببا في دخوله الجنة . قوله : ( لوا أخاكم ) فيه الأمر لمن كان من المسلمين في حضرته صلى الله عليه وسلم بأن يلوا أمر ذلك الرجل المريض لأنه قد صار بسبب تكلمه بالشهادتين أخا لهم . قوله : ( وجننه ) الجنن بالجيم ونونين القبر ذكره في النهاية . قوله : ( صبأنا صبأنا ) أي دخلنا في دين الصابئة وكان أهل الجاهلية يسمون من أسلم صابئا وكأنهم قالوا : أسلمنا أسلمنا ، والصابئ في الأصل : الخارج من دين إلى دين . قال في القاموس : صبأ كمنع وكرم ، وصبأ صبوءا : أخرج من دين إلى دين . ا هـ . قوله : ( مما صنع خالد ) تبرأ صلى الله عليه وسلم من صنع خالد ولم يتبرأ منه ، وهكذا ينبغي أن يقال لمن فعل ما يخالف الشرع ولا سيما إذا كان خطأ . وقد استدل المصنف بأحاديث الباب على أنه يصير الكافر مسلما بالتكلم بالشهادتين ولو كان ذلك على طريق الكناية بدون تصريح كما وقع في الحديث الآخر .

وقد وردت أحاديث صحيحة قاضية بأن الإسلام مجموع خصال : أحدها : التلفظ بالشهادتين ، منها حديث ابن عمر عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي قال : حدثني عمر بن الخطاب قال : { بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع عليه رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر وفيه فقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي [ ص: 233 ] الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا } ومنها ما أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة ، وفيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان } .

ومنها ما أخرج الشيخان والترمذي والنسائي من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان } ومنها ما أخرجه الشيخان ومالك في الموطإ وأبو داود والنسائي من حديث طلحة بن عبد الله أنه { جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فسأله عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة ، وصيام رمضان وذكر له الزكاة } .

وأخرج النسائي عن بهز بن حكيم : { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن آيات الإسلام فقال : أن تقول أسلمت وجهي وتخليت ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة } وأخرج النسائي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم } وأخرج الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده } وأخرج مسلم من حديث جابر والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي موسى نحو ذلك . وأخرج الشيخان من حديث عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى } .

وأخرج البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، واستقبلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتنا ، وصلوا صلاتنا ، حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها } ولفظ البخاري : { من شهد أن لا إله إلا الله ، واستقبل قبلتنا ، وصلى صلاتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فهو المسلم ; له ما للمسلم وعليه ما على المسلم } فهذه الأحاديث ونحوها تدل على أن الرجل لا يكون مسلما إلا إذا فعل جميع الأمور المذكورة فيها .

والأحاديث الأولى تدل على أن الإنسان يصير مسلما بمجرد النطق بالشهادتين . قال الحافظ في الفتح عند الكلام على حديث { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } في باب قتل من أبى من قبول الفرائض من كتاب استتابة المرتدين والمعاندين ما لفظه : وفيه منع قتل من قال لا إله إلا الله ولو لم يزد عليها .

وهو كذلك لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما ؟ الراجح : لا ، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فإن شهد بالرسالة والتزم [ ص: 234 ] أحكام الإسلام حكم بإسلامه ، وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله : " إلا بحق الإسلام " . قال البغوي : الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا لا يقر بالوحدانية ، فإذا قال : لا إله إلا الله حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع الأحكام ويبرأ من كل دين خالف الإسلام .

وأما من كان مقرا بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول : محمد رسول الله ، فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فلا بد أن يقول إلى جميع الخلق ، فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج إلى أن يرجع عن اعتقاده .

قال الحافظ : ومقتضى قوله " يجبر " أنه إذا لم يلتزم يجري عليه حكم المرتد وبه صرح القفال ، واستدل بحديث الباب وادعى أنه لم يرد في خبر من الأخبار { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله } وهي غفلة عظيمة فإن ذلك ثابت في الصحيحين في كتاب الإيمان منهما كما قدمنا الإشارة إلى ذلك انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية