صفحة جزء
باب تبع الطفل لأبويه في الكفر ولمن أسلم منهما في الإسلام وصحة إسلام المميز 3224 - ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ ، ثم يقول أبو هريرة : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } } الآية . متفق عليه ، وفي رواية متفق عليها أيضا قالوا : يا رسول الله أفرأيت من يموت منهم وهو صغير ؟ قال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " ) .

3225 - ( وعن ابن مسعود { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل عقبة بن أبي معيط ، قال : من للصبية ؟ قال : النار } . رواه أبو داود والدارقطني في الإفراد ، وقال فيه : " النار لهم ولأبيهم " ) . [ ص: 236 ]

3226 - ( وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم } . رواه البخاري وأحمد ، وقال فيه : " ما من رجل مسلم " ، وهو عام فيما إذا كانوا من مسلمة أو كافرة ، قال البخاري : فكان ابن عباس مع أنه من المستضعفين ، ولم يكن مع أبيه على دين قومه ) .


حديث ابن مسعود سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات ، إلا علي بن حسين الرقي ، وهو صدوق كما قال في التقريب . وأخرج نحوه البيهقي من طريق محمد بن يحيى بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه عن جده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل بالأسارى فكان بعرق الظبية أمر عاصم بن ثابت فضرب عنق عقبة بن أبي معيط صبرا ، فقال : من للصبية يا محمد ؟ قال : النار لهم ولأبيهم } . قوله : ( على الفطرة ) للفطرة معان ، منها : الخلقة ، ومنها : الدين . قال في القاموس : والفطرة صدقة الفطر ، والخلقة التي خلق عليها المولود في رحم أمه ، والدين ، انتهى . والمناسب ههنا هو المعنى الآخر ، أعني الدين : أي كل مولود يولد على الدين الحق فإذا لزم غيره فذلك لأجل ما يعرض له بعد الولادة من التغييرات من جهة أبويه أو سائر من يربيه .

قوله : ( جمعاء ) بفتح الجيم وسكون الميم بعدها عين مهملة ، قال في القاموس : والجمعاء : الناقة المهزولة ، ومن البهائم : التي لم يذهب من بدنها شيء . انتهى . والمراد ههنا المعنى الآخر لقوله : " هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " والجدع قطع الأنف أو الأذن أو اليد أو الشفة كما في القاموس . قال : والجدعة محركة ما بقي بعد القطع انتهى . والمعنى أن البهائم كما أنها تولد سليمة من الجدع كاملة الخلقة ، وإنما يحدث لها نقصان الخلقة بعد الولادة بالجدع ونحوه ، كذلك أولاد الكفار يولدون على الدين الحق الكامل وما يعرض لهم من التلبس بالأديان المخالفة له فإنما هو حادث لهم بعد الولادة بسبب الأبوين ومن يقوم مقامهما . وحديث أبي هريرة فيه دليل على أن أولاد الكفار يحكم لهم عند الولادة بالإسلام ، وأنه إذا وجد الصبي في دار الإسلام دون أبويه كان مسلما ، لأنه إنما صار يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا بسبب أبويه ، فإذا عدما فهو باق على ما ولد عليه وهو الإسلام .

قوله : ( الله أعلم بما كانوا عاملين ) فيه دليل على أن أحكام الكفار عند الله إذا ماتوا صغارا غير متعينة بل منوطة بعمله الذي كان يعمله لو عاش .

وفي حديث ابن مسعود المذكور دليل على أنهم من أهل النار لقوله [ ص: 237 ] فيه : " النار لهم ولأبيهم " ويشكل على مذهب العدلية لعدم وقوع موجب التعذيب منهم . والحاصل أن مسألة أطفال الكفار باعتبار أمر الآخرة من المعارك الشديدة لاختلاف الأحاديث فيها ولها ذيول مطولة لا يتسع لها المقام .

وفي الوقف عن الجزم بأحد الأمرين سلامة من الوقوع في مضيق لم تدع إليه حاجة ولا ألجأت إليه ضرورة ، وأما باعتبار أحكام الدنيا ، فقد ثبت في صحيح البخاري في باب أهل الدار من كتاب الجهاد { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين هل يقتلون مع آبائهم ؟ فقال : هم منهم } .

قال في الفتح : أي في الحكم في تلك الحالة ، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم ، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية ، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم . انتهى . وخرج أبو داود { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان } . ويحمل هذا على أنه لا يجوز قتلهم بطريق القصد . وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر . قال : { لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتي بامرأة مقتولة فقال : ما كانت هذه لتقاتل ، ونهى عن قتل النساء والصبيان } . وأخرج نحوه أبو داود في المراسيل من حديث عكرمة .

وقد ذهب مالك والأوزاعي أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال ، حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم . وذهب الشافعي والكوفيون وغيرهم إلى الجمع بما تقدم ، وقالوا : إذا قاتلت المرأة جاز قتلها . ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث رباح بن الربيع التميمي قال : { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين فرأى المرأة مقتولة ، فقال : ما كانت هذه لتقاتل } فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت . وقد نقل ابن بطال وغيره الاتفاق على مثل القصد إلى قتل النساء والولدان ، وأما حديث أنس المذكور في الباب فمحله كتاب الجنائز ، وإنما ذكره المصنف ههنا للاستدلال به على : أن الولد يكون مسلما بإسلام أحد أبويه لما في قوله : " ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد " . فإنه يقتضي أن من كان له ذلك المقدار من الأولاد دخل الجنة ، وإن كانوا من امرأة غير مسلمة ، ونفعهم لأبيهم في ذلك الأمر إنما يصح بعد الحكم بإسلامهم لأجل إسلام أبيهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية