صفحة جزء
أبواب السبق والرمي باب ما يجوز المسابقة عليه بعوض

3515 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر } رواه الخمسة ، ولم يذكر فيه ابن ماجه " أو نصل " ) .

3516 - ( وعن ابن عمر قال : { سابق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الخيل فأرسلت التي ضمرت منها ، وأمدها الحفياء إلى ثنية الوداع ، والتي لم تضمر أمدها ثنية الوداع ، إلى مسجد بني زريق } رواه الجماعة وفي الصحيحين عن موسى بن عقبة أن بين الحفياء إلى ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة . وللبخاري قال سفيان : من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة ، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل ) .


حديث أبي هريرة أخرجه أيضا الشافعي والحاكم من طرق وصححه ابن القطان وابن حبان وابن دقيق العيد وحسنه الترمذي وأعله الدارقطني بالوقف ، ورواه الطبراني وأبو الشيخ من حديث ابن عباس قوله : ( لا سبق ) هو بفتح السين والباء الموحدة مفتوحة أيضا : ما يجعل للسابق على من سبقه من جعل ، قاله الخطابي وابن الصلاح وحكى [ ص: 88 ] ابن دقيق العيد فيه الوجهين . وقيل هو بفتح السين وسكون الموحدة مصدر وبفتحها : الجعل وهو الثابت في كتب اللغة ، وقوله : " في خف " كناية عن الإبل والحافر عن الخيل .

والنصل عن السهم أي ذي خف أو ذي حافر أو ذي نصل ، والنصل : حديدة السهم . فيه دليل على جواز السباق على جعل ، فإن كان الجعل من غير المتسابقين كالإمام يجعله للسابق فهو جائز بلا خلاف ، وإن كان من أحد المتسابقين جاز ذلك عند الجمهور كما حكاه الحافظ في الفتح ، وكذا إذا كان معهما ثالث محلل بشرط أن لا يخرج من عنده شيئا ليخرج العقد عن صورة القمار ، وهو أن يخرج كل منهما سبقا ، فمن غلب أخذ السبقين فإن هذا مما وقع الاتفاق على منعه كما حكاه الحافظ في الفتح ومنهم من شرط في المحلل أن لا يكون يتحقق السبق ، وهكذا وقع الاتفاق على جواز المسابقة بغير عوض ، لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والحافر والنصل ، وخصه بعض العلماء بالخيل ، وأجازه عطاء في كل شيء . وقد حكى في البحر عن أبي حنيفة أن عقد المسابقة على مال باطل . وحكي عن مالك أيضا أنه لا يجوز أن يكون العوض من غير الإمام .

وحكي أيضا عن مالك وابن الصباغ وابن خيران أنه لا يصح بذل المال من جهتهما وإن دخل المحلل .

وروي عن أحمد بن حنبل أنه لا يجوز السبق على الفيلة .

وروي عن الإمام يحيى وأصحاب الشافعي أنه يجوز على الأقدام مع العوض . وذكر في البحر أن شروط صحة العقد خمسة : الأول : كون العوض معلوما . الثاني : كون المسابقة معلومة الابتداء والانتهاء . الثالث : كون السبق بسكون الموحدة معلوما ، يعني المقدار الذي يكون من سبق به مستحقا للجعل . الرابع : تعيين المركوبين . الخامس : إمكان سبق كل منهما فلو علم عجز أحدهما لم يصح إذ القصد الخبرة قوله : ( ضمرت ) لفظ البخاري " التي أضمرت " والتي لم تضمر بسكون الضاد المعجمة ، والمراد به أن تعلف الخيل حتى تسمن وتقوى ثم يقلل علفها بقدر القوت وتدخل بيتا وتغشى بالجلال حتى تحمى فتعرق ، فإذا جف عرقها خف لحمها وقويت على الجري ، هكذا في الفتح ، وذكر مثل معناه في النهاية ، وزاد في الصحاح : وذلك في أربعين يوما قوله : ( الحفياء ) بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانية ثم همزة ممدودة ، ويجوز القصر . وحكى الحازمي تقديم التحتانية على الفاء .

وحكى عياض ضم أوله وخطأه . قوله : ( ثنية الوداع ) هي قريب من المدينة سميت بذلك لأن المودعين يمشون مع حاج المدينة إليها قوله : ( زريق ) بتقديم الزاي . والحديث فيه مشروعية المسابقة وأنها ليست من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة ، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك . قال القرطبي : لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من [ ص: 89 ] الدواب وعلى الأقدام ، وكذا الرمي بالسهام واستعمال الأسلحة لما في ذلك من التدرب على الجري ، وفيه جواز تضمير الخيل ، وبه يندفع قول من قال : إنه لا يجوز لما فيه من مشقة سوقها ، ولا يخفى اختصاص ذلك بالخيل المعدة للغزو .

وفيه مشروعية الإعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة .

3517 - ( وعن ابن عمر { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبق بالخيل وراهن } وفي لفظ : سبق بين الخيل وأعطى السابق . رواهما أحمد ) 3518 - ( وعن ابن عمر { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية } رواه أحمد وأبو داود ) .

3519 - ( وعن أنس وقيل له : { أكنتم تراهنون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يراهن ؟ قال : نعم والله لقد راهن على فرس يقال له سبحة ، فسبق الناس فبهش لذلك وأعجبه } رواه أحمد ) .

3520 - ( وعن أنس قال : { كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناقة تسمى العضباء ، وكانت لا تسبق ، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا : سبقت العضباء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه } رواه أحمد والبخاري ) .

حديث ابن عمر الأول أخرجه أيضا ابن أبي عاصم من حديث نافع عنه ، وقوى إسناده الحافظ وقال في مجمع الزوائد : رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما ثقات ، ويشهد له ما أخرجه ابن حبان وابن أبي عاصم من حديث ابن عمر بلفظ { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل وجعل بينهما سبقا } وفي إسناده عاصم بن عمر وهو ضعيف ، وقد اضطرب فيه رأي ابن حبان فصحح حديثه تارة ، وقال في الضعفاء : لا يجوز الاحتجاج به ، وقال في الثقات : يخطئ ويخالف .

وحديث ابن عمر الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري وصححه ابن حبان وحديث أنس الأول قال في مجمع الزوائد : رجال أحمد ثقات .

وأخرجه أيضا الدارمي والدارقطني والبيهقي من حديث أبي لبيد قال : " أتينا أنس بن [ ص: 90 ] مالك " وأخرج نحوه البيهقي من طريق سليمان بن حزم عن حماد بن زيد أو سعيد بن زيد عن واصل مولى أبي عتبة قال : حدثني موسى بن عبيد قال : { كنا في الحجر بعدما صلينا الغداة ، فلما أسفرنا إذا فينا عبد الله بن عمر ، فجعل يستقرينا رجلا رجلا ويقول : صليت يا فلان ؟ حتى قال : أين صليت يا أبا عبيد ؟ فقلت : ههنا ، فقال بخ بخ ما يعلم صلاة أفضل عند الله من صلاة الصبح جماعة يوم الجمعة ، فسألوه : أكنتم تراهنون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم ، لقد راهن على فرس يقال لها سبحة فجاءت سابقة } .

قوله : ( سبق ) بفتح السين المهملة وتشديد الموحدة بعدها قاف قوله : ( وفضل القرح ) بالقاف مضمومة وتشديد الراء بعدها حاء مهملة جمع قارح : وهو ما كملت سنه كالبازل من الإبل .

قوله : ( سبحة ) بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها حاء مهملة هو من قولهم فرس سباح : إذا كان حسن مد اليدين في الجري قوله : ( فبهش ) بالباء الموحدة والشين المعجمة أي : هش وفرح كذا في التلخيص قوله : ( تسمى العضباء ) بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة ومد الياء ، وقد تقدم ضبطها وتفسيرها غير مرة .

قوله : ( وكانت لا تسبق ) زاد البخاري قال حميد : أو لا تكاد تسبق شك منه وهو موصول بإسناد الحديث المذكور كما قال الحافظ قوله : ( فجاء أعرابي ) قال الحافظ : لم أقف على اسم هذا الأعرابي بعد التتبع الشديد قوله

( على قعود ) بفتح القاف وهو ما استحق الركوب من الإبل . وقال الجوهري : هو البكر حتى يركب ، وأقل ذلك أن يكون ابن سنتين إلى أن يدخل في السادسة فيسمى جملا . وقال الأزهري : لا يقال إلا للذكر ولا يقال للأنثى قعودة ، وإنما يقال لها قلوص . وقد حكى الكسائي في النوادر قعودة للقلوص ، وكلام الأكثر على غيره . وقال الخليل : القعودة من الإبل : ما يقتعده الراعي لحمل متاعه والهاء فيه للمبالغة قوله : ( أن لا يرفع شيئا ، . . . إلخ ) في رواية موسى بن إسماعيل أن لا يرتفع ، وكذلك في رواية للبخاري ، وفي رواية للنسائي { أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا } وفي الحديث اتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها ، وفيه التزهيد في الدنيا للإشارة إلى أن كل شيء منها لا يرتفع إلا اتضع ، وفيه حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وتواضعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية