صفحة جزء
3747 - ( وعن أبي سعيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما } . رواه أحمد ومسلم ) .

3748 - ( وعن قتادة عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما ، قال قتادة : فقلنا فالأكل ؟ قال : ذاك شر وأخبث } رواه أحمد ومسلم والترمذي ) .

3749 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يشربن أحد منكم قائما فمن نسي فليستقئ } رواه مسلم ) .

3750 - ( وعن ابن عباس قال : { شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائما من زمزم . } متفق عليه ) .

3751 - ( وعن الإمام علي رضي الله عنه أنه في رحبة الكوفة شرب وهو قائم ، قال : { إن ناسا يكرهون الشرب قائما ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت } . رواه أحمد والبخاري ) .

3752 - ( وعن ابن عمر قال : { كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام } . ورواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه ) .


ظاهر النهي في حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن الشرب من قيام حرام ولا سيما بعد قوله : " فمن نسي فليستقئ " فإنه يدل على التشديد في المنع والمبالغة في التحريم ، ولكن حديث ابن عباس وحديث علي يدلان على جواز ذلك . وفي الباب أحاديث غير ما ذكره [ ص: 222 ] المصنف منها ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان عن أبي هريرة بلفظ { لو يعلم الذي يشرب وهو قائم لاستقاء } ولأحمد من وجه آخر عن أبي هريرة { أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يشرب قائما فقال : قه ، قال : لمه ، قال : أيسرك أن يشرب معك الهر ؟ قال : لا ، قال : قد شرب معك من هو شر منه الشيطان } وهو من رواية شعبة عن أبي زياد الطحان مولى الحسن بن علي عنه رضي الله عنهما وأبو زياد لا يعرف اسمه . وقد وثقه يحيى بن معين . ومنها عند مسلم عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما } قال المازري : اختلف الناس في هذا ، فذهب الجمهور إلى الجواز وكرهه قوم ، فقال بعض شيوخنا : لعل النهي منصرف إلى من أتى أصحابه بماء فبادر بشربه قائما قبلهم استبدادا به وخروجا عن كون ساقي القوم آخرهم شربا . قال : وأيضا فإن الحديث تضمن المنع من الأكل قائما ، ولا خلاف في جواز الأكل قائما ، قال : والذي يظهر لي أن أحاديث شربه قائما تدل على الجواز ، وأحاديث النهي تحمل على الاستحباب والحث على ما هو أولى وأكمل . قال : ويحمل الأمر بالقيء على أن الشرب قائما يحرك خلطا يكون القيء دواءه ، ويؤيده قول النخعي : إنما نهى عن ذلك لداء البطن .

وقد تكلم عياض على أحاديث النهي وقال : إن مسلما أخرج حديث أبي سعيد وحديث أنس من طريق قتادة ، وكان شعبة يتقي من حديث قتادة ما لا يصرح فيه بالتحديث . قال : واضطراب قتادة فيه مما يعله مع مخالفة الأحاديث الأخرى والأئمة له .

وأما حديث أبي هريرة ففي سنده عمر بن حمزة ، ولا يتحمل منه مثل هذه المخالفة غيره له ، والصحيح أنه موقوف . انتهى ملخصا . قال النووي ما ملخصه : هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالا باطلة ، وزاد حتى تجاسر ورام أن يضعف بعضها ولا وجه لإشاعة الغلطات بل يذكر الصواب ويشار إلى التحذير عن الغلط ، وليس في الأحاديث إشكال ولا فيها ضعف ، بل الصواب أن النهي فيها محمول على التنزيه وشربه قائما لبيان الجواز .

وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط فإن النسخ لا يصار إليه مع إمكان الجمع لو ثبت التاريخ ، وفعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز لا يكون في حقه مكروها أصلا فإنه كان يفعل الشيء للبيان مرة أو مرات ويواظب على الأفضل ، والأمر بالاستقاء محمول على الاستحباب فيستحب لمن يشرب قائما أن يستقئ لهذا الحديث الصحيح ، فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب يحمل على الاستحباب . وأما قول عياض : لا خلاف بين أهل العلم أن من شرب قائما ليس عليه أن يتقيأ ، وأشار به إلى تضعيف الحديث فلا يلتفت إلى إشارته ، وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاء لا يمنع من الاستحباب ، فمن ادعى منع الاستحباب بالإجماع فهو مجازف ، وكيف تترك السنة الصحيحة بالتوهمات والدعاوى والترهات .

قال الحافظ : ليس في كلام [ ص: 223 ] عياض التعرض للاستحباب أصلا ، بل ونقل الاتفاق المذكور إنما هو في كلام المازري كما مضى . وأما تضعيف عياض للأحاديث فلم يتشاغل النووي بالجواب عنه . قال : فأما إشارته إلى تضعيف حديث أنس بكون قتادة مدلسا فيجاب عنه بأنه صرح في نفس هذا الحديث بما يقتضي السماع فإنه قال : قلنا لأنس : " فالأكل . . . إلخ " وأما تضعيف حديث أبي سعيد بأن أبا عباس غير مشهور فهو قول سبق إليه ابن المديني لأنه لم يرو عنه إلا قتادة لكن وثقه الطبري وابن حبان ، ودعواه اضطرابه مردودة ، فقد تابعه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كما رواه أحمد وابن حبان ، فالحديث بمجموع طرقه صحيح .

قال النووي والعراقي في شرح الترمذي : أن قوله " فمن نسي " لا مفهوم له ، بل يستحب ذلك للعامد أيضا بطريق الأولى ، وإنما خص الناسي بالذكر لكون المؤمن لا يقع ذلك منه بعد النهي غالبا إلا نسيانا . قال القرطبي في المفهم : لم يصر أحد إلى أن النهي فيه للتحريم وإن كان القول به جاريا على أصول الظاهرية . وتعقب بأن ابن حزم منهم جزم بالتحريم ، وتمسك من لم يقل بالتحريم بالأحاديث المذكورة في الباب .

وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص أخرجه الترمذي . وعن عبد الله بن أنيس أخرجه الطبراني . وعن أنس أخرجه البزار والأثرم . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه الترمذي وحسنه . وعن عائشة أخرجه البزار وأبو علي الطوسي في الأحكام . وعن أم سليم أخرجه ابن شاهين . وعن عبد الله بن السائب أخرجه ابن أبي حاتم ، وثبت الشرب قائما عن عمر أخرجه الطبري .

وفي الموطأ أن عمر وعثمان وعليا كانوا يشربون قياما ، وكان سعد وعائشة لا يريان بذلك بأسا ، وثبتت الرخصة عن جماعة من التابعين . وسلك العلماء في ذلك مسالك : أحدها الترجيح ، وأن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي ، وهذه طريقة أبي بكر الأثرم فقال : حديث أنس يعني في النهي جيد الإسناد ، ولكن قد جاء عنه خلافه ، يعني في الجواز ، قال : ولا يلزم من كون الطريق إليه في النهي أثبت من الطريق إليه في الجواز أن لا يكون الذي يقابله أقوى ; لأن الثبت قد يروي من هو دونه الشيء فيرجح عليه ، فقد رجح نافع على سالم في بعض الأحاديث عن ابن عمر ، وسالم مقدم على نافع في التثبت ، وقدم شريك على الثوري في حديثين وسفيان مقدم عليه في جملة أحاديث .

ويروى عن أبي هريرة أنه قال : لا بأس بالشرب قائما ، قال : فدل على أن الرواية عنه في النهي ليست بثابتة وإلا لما قال : لا بأس به ، قال : ويدل على وهانة أحاديث النهي أيضا اتفاق العلماء على أنه ليس على أحد شرب أن يستقئ . المسلك الثاني : دعوى النسخ وإليها جنح الأثرم وابن شاهين فقررا أن أحاديث النهي على تقدير ثبوتها منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز . وقد عكس ابن حزم [ ص: 224 ] فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي متمسكا بأن الجواز على وفق الأصل ، وأحاديث النهي مقررة لحكم الشرع فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال .

وأجاب بعضهم بأن أحاديث الجواز متأخرة لما وقع منه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما تقدم ذكره في حديث الباب عن ابن عباس ، وإذا كان ذلك الآخر من فعله صلى الله عليه وسلم دل على الجواز ويتأيد بفعل الخلفاء الراشدين . المسلك الثالث : الجمع بين الأخبار بضرب من التأويل . قال أبو الفرج الثقفي : المراد بالقيام هنا المشي ، يقال قمت في الأمر : إذا مشيت فيه ، وقمت في حاجتي : إذا سعيت فيها وقضيتها ، ومنه قوله تعالى: { إلا ما دمت عليه قائما } أي مواظبا بالمشي عليه . وجنح الطحاوي إلى تأويل آخر وهو حمل النهي على من لم يسم عند شربه ، وهذا إن سلم له في بعض ألفاظ الأحاديث لم يسلم له في بقيتها ، وسلك آخرون في الجمع بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه وهي طريقة الخطابي وابن بطال في آخرين .

قال الحافظ : وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض . وقد أشار الأثرم إلى ذلك آخرا . فقال : إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم ، وبذلك جزم الطبري وأيده بأنه لو كان جائزا ثم حرمه أو كان حراما ثم جوزه لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بيانا واضحا ، فلما تعارضت الأخبار في ذلك جمعنا بينها بهذا . وقيل : إن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به ، فإن الشرب قاعدا أمكن وأبعد من الشرق وحصول الوجع في الكبد أو الحلق ، وكل ذلك قد لا يأمن منه من شرب قائما .

قوله : ( شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائما من زمزم ) في رواية لابن ماجه من وجه آخر عن عاصم ، فذكرت ذلك لعكرمة فحلف إنه ما كان حينئذ إلا راكبا . وعند أبي داود من وجه آخر عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره ثم أناخه بعد طوافه فصلى ركعتين } فلعله حينئذ شرب من زمزم قبل أن يعود إلى بعيره ويخرج إلى الصفا ، بل هذا هو الذي يتعين المصير إليه ; لأن عمدة عكرمة في إنكاره كونه شرب قائما إنما هو ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره وخرج إلى الصفا على بعيره وسعى كذلك ، لكن لا بد من تخلل ركعتي الطواف بين ذلك ، وقد ثبت أنه صلاهما على الأرض فما المانع من كونه شرب حينئذ من سقاية زمزم قائما كما حفظه الشعبي عن ابن عباس ؟ قوله

( في رحبة الكوفة ) الرحبة بفتح الراء المهملة وفتح الموحدة : المكان المتسع ، والرحب : بسكون المهملة : المتسع أيضا . قال الجوهري : ومنه أرض رحبة : أي متسعة ، ورحبة المسجد بالتحريك : وهي ساحته . قال ابن التين : فعلى هذا يقرأ الحديث بالسكون ، ويحتمل أنها صارت رحبة الكوفة بمنزلة رحبة المسجد فيقرأ بالتحريك وهذا هو الصحيح قوله : ( صنع كما صنعت ) أي من [ ص: 225 ] الشرب قائما ، وصرح به الإسماعيلي في روايته فقال : شرب فضلة وضوئه قائما كما شربت .

التالي السابق


الخدمات العلمية