صفحة جزء
باب من نذر نذرا لم يسمه ولا يطيقه

3853 - ( عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين } رواه ابن ماجه والترمذي وصححه ) .

3854 - ( وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من نذر نذرا ولم يسمه فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر نذرا لم يطقه فكفارته كفارة يمين } رواه أبو داود وابن ماجه ، وزاد " ومن نذر نذرا أطاقه فليف به " )

3855 - ( وعن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادى بين ابنيه فقال : ما [ ص: 283 ] هذا ؟ قالوا : نذر أن يمشي ، قال : إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني ، وأمره أن يركب } رواه الجماعة إلا ابن ماجه وللنسائي في رواية : نذر أن يمشي إلى بيت الله )

3856 - ( وعن عقبة بن عامر قال : { نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فقال : لتمش ولتركب } متفق عليه ولمسلم فيه : حافية غير مختمرة .

وفي رواية : { نذرت أختي أن تمشي إلى الكعبة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لغني عن مشيها لتركب ولتهد بدنة } رواه أحمد وفي رواية : { أن أخته نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا ، مرها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام } رواه الخمسة ) .

3857 - ( وعن كريب عن ابن عباس قال : { جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج ماشية ، فقال : إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا ، لتخرج راكبة ولتكفر عن يمينها } رواه أحمد وأبو داود )

3858 - ( وعن عكرمة عن ابن عباس { أن عقبة بن عامر سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخته نذرت أن تمشي إلى البيت وشكا إليه ضعفها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله غني عن نذر أختك فلتركب ولتهد بدنة } رواه أحمد .

وفي لفظ : { إن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى البيت وإنها لا تطيق ذلك ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي هديا } رواه أبو داود ) .


حديث عقبة الأول هو في صحيح مسلم بدون زيادة " إذا لم يسم " . وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي . وحديث ابن عباس الأول قال الحافظ في بلوغ المرام : إسناده صحيح إلا أن الحفاظ رجحوا وقفه ، وقد تقدم الكلام عليه . والرواية الأخرى من حديث عقبة التي فيها { ولتصم ثلاثة أيام } حسنها الترمذي ولكن في إسنادها عبد الله بن زحر ، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة

وحديث كريب عن ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح . وحديث عكرمة عن ابن عباس سكت أيضا عنه [ ص: 284 ] أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح قال الحافظ في التلخيص : إسناده صحيح ، والرواية الأخرى أوردها أبو داود وسكت عنها هو والمنذري قوله : ( لم يسم ) فيه دليل على أن كفارة اليمين إنما تجب فيما كان من النذور غير مسمى . قال النووي : اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج فهو مخير بين الوفاء بالنذر أو الكفارة ، وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق كقوله : علي نذر وحمله جماعة من فقهاء الحديث على جميع أنواع النذر ، وقالوا : هو مخير في جميع أنواع المنذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة اليمين انتهى

والظاهر اختصاص الحديث بالنذر الذي لم يسم لأن حمل المطلق على المقيد واجب . وأما النذور المسماة إن كانت طاعة ، فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين ، وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها سواء كانت متعلقة بالبدن أو بالمال ، وإن كانت معصية لم يجز الوفاء بها ولا ينعقد ، ولا يلزم فيها الكفارة ، وإن كانت مباحة مقدورة فالظاهر الانعقاد ولزوم الكفارة لوقوع الأمر بها في أحاديث الباب في قصة الناذرة بالمشي ، وإن كانت غير مقدورة ففيها الكفارة لعموم " ومن نذر نذرا لم يطقه " هذا خلاصة ما يستفاد من الأحاديث الصحيحة

وقال ابن رشد في نهاية المجتهد ما حاصله : إنه وقع الاتفاق على لزوم النذر بالمال إذا كان في سبيل البر وكان على جهة الخير ، وإن كان على جهة الشر فقال مالك : يلزم كالخير ولا كفارة يمين في ذلك إلا أنه إذا نذر بجميع ماله لزمه ثلث ماله إذا كان مطلقا ، وإن كان معينا لزمه وإن كان جميع ماله أو أكثر من الثلث ، وسيأتي الخلاف فيمن نذر بجميع ماله . قال : وإذا كان النذر مطلقا : أي غير مسمى ففيه الكفارة عند كثير من العلماء

وقال قوم : فيه كفارة الظهار . وقال قوم : فيه أقل ما ينطلق عليه الاسم من القرب صيام يوم أو صلاة ركعتين قوله : ( ومن نذر نذرا لم يطقه فكفارته كفارة يمين ) ظاهره سواء كان المنذور به طاعة أو معصية أو مباحا إذا كان غير مقدور ففيه الكفارة إلا أنه يخص من هذا العموم ما كان معصية بما تقدم ، ويبقى ما كان طاعة أو مباحا ، وسواء كان غير مقدور شرعا أو عقلا أو عادة قوله :

( ومن نذر نذرا أطاقه . . . إلخ ) ظاهره العموم ولكنه يخص منه نذر المعصية بما سلف ، وكذلك نذر المباح بلزوم الكفارة وأما النذر الذي لم يسم فغير داخل في عموم الطاقة وعدمها ; لأن اتصاف النذر بأحد الوصفين فرع معرفته وما لم يسم لم يعرف قوله : ( لتمش ولتركب ) فيه أن النذر بالمشي ولو إلى مكان المشي إليه طاعة فإنه لا يجب الوفاء به بل يجوز الركوب لأن المشي نفسه غير طاعة ، إنما الطاعة الوصول إلى ذلك المكان كالبيت العتيق من غير فرق بين المشي والركوب ، ولهذا سوغ النبي صلى الله عليه وسلم الركوب للناذرة بالمشي فكان ذلك دالا على عدم لزوم النذر بالمشي وإن دخل تحت الطاقة

[ ص: 285 ] قال في الفتح : وإنما أمر الناذرة في حديث أنس أن تركب جزما ، وأمر أخت عقبة أن تمشي وأن تركب لأن الناذر في حديث أنس كان شيخا ظاهر العجز وأخت عقبة لم توصف بالعجز ، فكأنه أمرها أن تمشي إن قدرت وتركب إن عجزت ، وبهذا ترجم البيهقي للحديث ، وأورد في بعض طرقه من رواية عكرمة عن ابن عباس ما ذكره المصنف رحمه الله

وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ { جاء رجل فقال : يا رسول الله إن أختي حلفت أن تمشي إلى البيت وإنه يشق عليها المشي ، فقال : مرها فلتركب إذا لم تستطع أن تمشي ، فما أغنى الله أن يشق على أختك } وأحاديث الباب مصرحة بوجوب الكفارة . ونقل الترمذي عن البخاري أنه لا يصح فيه الهدي وقد أخرج الطبراني من طريق أبي تميم الجيشاني عن عقبة بن عامر في هذه القصة " نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسرة " وفيه " { لتركب ولتلبس ولتصم } وللطحاوي من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن عقبة نحوه

وأخرج البيهقي بسند صحيح عن أبي هريرة { بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في جوف الليل إذ بصر بخيال ففرت منه الإبل ، فإذا امرأة عريانة ناقضة شعرها ، فقالت : نذرت أن أحج عريانة ناقضة شعري ، فقال : مرها فلتلبس ثيابها ولتهرق دما } وأورد من طريق الحسن عن عمران رفعه { إذا نذر أحدكم أن يحج ماشيا فليهد هديا وليركب } وفي سنده انقطاع . وقد استدل بهذه الأحاديث على صحة النذر بإتيان البيت الحرام لغير حج ولا عمرة

وعن أبي حنيفة إذا لم ينو حجا ولا عمرة لم ينعقد ، ثم إن نذره راكبا لزمه ، فلو مشى لزمه دم لتوفر مؤنة الركوب ، وإن نذر ماشيا لزمه من حيث أحرم إلى أن ينتهي الحج أو العمرة ، ووافقه صاحباه ، فإن ركب لعذر أجزأه ولزم دم .

وفي أحد القولين عن الشافعي مثله . واختلف هل يلزمه بدنة أو شاة ، وإن ركب بلا عذر لزمه الدم . وعن المالكية في العاجز يرجع من قابل فيمشي ما ركب إلا أن يعجز مطلقا فيلزمه الهدي . وعن عبد الله بن الزبير : لا يلزمه شيء مطلقا

قال القرطبي : زيادة الأمر بالهدي رواتها ثقات . وعن الهادوية أنه لا يجوز الركوب مع القدرة على المشي ، فإذا عجز جاز الركوب ولزمه دم ، قالوا : لأن الرواية وإن جاءت مطلقة فقد قيدت برواية العجز ، ولا يخفى ما في أكثر هذه التفاصيل من المخالفة لصريح الدليل

ويرد قول من قال بأنه لا كفارة مع العجز ، وتلزم مع عدمه ما وقع في حديث عكرمة عن ابن عباس ، وفي الرواية التي بعده فإنهما مصرحان بوجوب الهدي مع ذكر ما يدل على العجز من الضعف وعدم الطاقة ، والرجل المذكور في حديث { أنه يهادى بين ابنيه } قيل هو أبو إسرائيل المذكور في الباب الأول ، روي ذلك عن الخطيب ، حكى ذلك عنه مغلطاي . قال الحافظ : وهو تركيب منه ، وإنما ذكر الخطيب ذلك في رجل آخر مذكور في حديث لابن عباس

التالي السابق


الخدمات العلمية