صفحة جزء
باب اشتراط دخول الوقت للتيمم

358 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت } .

359 - ( وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { جعلت الأرض كلها لي ولأمتي [ ص: 324 ] مسجدا وطهورا ، فأينما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره } رواهما أحمد ) .


الحديث الأول أصله في الصحيحين ، والحديث الثاني إسناده في مسند أحمد هكذا : حدثنا محمد بن أبي عدي عن سليمان : يعني التيمي عن سيار عن أبي أمامة وذكره ، وإسناده ثقات إلا سيارا الأموي وهو صدوق .

وفي الباب عن علي عند البزار وعن أبي هريرة عند مسلم والترمذي . وعن جابر عند الشيخين والنسائي . وعن ابن عباس عند أحمد . وعن حذيفة عند مسلم والنسائي ، وعن أنس أشار إليه الترمذي . ورواه السراج في مسنده بإسناد قال العراقي صحيح . ورواه الخطابي في معالم السنن ، وسيأتي في الصلاة . وعن أبي أمامة عند أحمد والترمذي في كتاب السير وقال حسن صحيح ولكنه لم يذكر فيه المقصود . وعن أبي ذر عند أبي داود . وعن أبي موسى عند أحمد والطبراني بإسناد جيد . وعن عمر عند البزار والطبراني ، وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل وهو ضعيف . وعن السائب بن يزيد عند الطبراني . وعن أبي سعيد عند الطبراني أيضا

قوله : ( جعلت لي الأرض مسجدا ) أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره ، ويمكن أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة . قال الحافظ : وهو من مجاز التشبيه ; لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك ، قال الداودي وابن التين : والمراد أن الأرض جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم مسجدا وطهورا وجعلت لغيره مسجدا ولم تجعل له طهورا ; لأن عيسى كان يسبح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة ، وقيل : إنما أبيح لهم موضع يتيقنون طهارته ، بخلاف هذه الأمة فإنه أبيح لهم التطهر والصلاة إلا فيما تيقنوا نجاسته .

والأظهر ما قاله الخطابي : وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلاة في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع . قال الحافظ في الفتح : ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ : { وكان من قبلي إنما يصلون في كنائسهم } وهذا نص في موضع النزاع فثبتت الخصوصية ، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس وفيه { لم يكن أحد من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه } قوله : ( وطهورا ) بفتح الطاء : أي مطهرة ، وفيه دليل على أن التراب يرفع الحدث كالماء لاشتراكهما في الطهورية .

قال الحافظ : وفيه نظر وعلى أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض لعموم لفظ الأرض لجميعها ، وقد أكده بقوله : " كلها " كما في الرواية الثانية . واستدل القائل بتخصيص التراب بما عند مسلم من حديث حذيفة مرفوعا بلفظ : { وجعلت تربتها لنا طهورا } وهذا خاص فينبغي أن يحمل عليه العام . وأجيب بأن تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره فلا يتم الاستدلال . ورد [ ص: 325 ] بأنه ورد في الحديث المذكور بلفظ التراب ، أخرجه ابن خزيمة وغيره .

وفي حديث علي { وجعل التراب لي طهورا } أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد حسن .

وأجيب أيضا عن ذلك الاستدلال بأن تعليق الحكم بالتربة مفهوم لقب ، ومفهوم اللقب ضعيف عند أرباب الأصول ولم يقل به : إلا الدقاق فلا ينتهض لتخصيص المنطوق ، ورد بأن الحديث سبق لإظهار التشريف ، فلو كان جائزا بغير التراب لما اقتصر عليه ، وأنت خبير بأنه لم يقتصر على التراب إلا في هذه الرواية ، نعم الافتراق في اللفظ حيث يحصل التأكيد في جعلها مسجدا دون الآخر كما سيأتي في حديث مسلم يدل على الافتراق في الحكم وأحسن من هذا أن قوله تعالى: في آية المائدة منه يدل على أن المراد : التراب ، وذلك ; لأن كلمة من للتبعيض كما قال في الكشاف : إنه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل : مسحت برأسي من الدهن والتراب إلا معنى التبعيض انتهى .

فإن قلت : سلمنا التبعيض فما الدليل على أن ذلك البعض هو التراب ؟ قلت : التنصيص عليه في الحديث المذكور . ومن الأدلة الدالة على أن المراد خصوص التراب ما ورد في القرآن والسنة من ذكر الصعيد والأمر بالتيمم منه وهو التراب ، لكنه قال في القاموس : والصعيد : التراب أو وجه الأرض .

وفي المصباح الصعيد : وجه الأرض ترابا كان أو غيره . قال الزجاج : لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك . قال الأزهري ; ومذهب أكثر العلماء أن الصعيد في قوله تعالى: { صعيدا طيبا } هو التراب .

وفي كتاب فقه اللغة للثعالبي : الصعيد : تراب وجه الأرض ولم يذكر غيره . وفي المصباح أيضا . ويقال الصعيد في كلام العرب يطلق على وجوه : على التراب الذي على وجه الأرض ، وعلى وجه الأرض ، وعلى الطريق ; ويؤيد حمل الصعيد على العموم تيممه صلى الله عليه وسلم من الحائط فلا يتم الاستدلال . وقد ذهب إلى تخصيص التيمم بالتراب العترة والشافعي وأحمد وداود ; وذهب مالك وأبو حنيفة وعطاء والأوزاعي والثوري إلى أنه يجزئ بالأرض وما عليها ، وسيعقد المصنف لذلك بابا قوله : ( أينما أدركتني الصلاة ) في الرواية الثانية " فأينما أدركت رجلا من أمتي الصلاة " وفي الصحيحين " فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل " . وقد استدل به على عموم التيمم بأجزاء الأرض ; لأن قوله : " فأينما أدركت رجلا ، وأيما رجل " صيغة عموم ، فيدخل تحته من لم يجد ترابا ووجد غيره من أجزاء الأرض . قال ابن دقيق العيد : ومن خصص التيمم بالتراب يحتاج إلى أن يقيم دليلا يخص به هذا العموم أو يقول : دل الحديث على أنه يصلي وأنا أقول بذلك : فيصلي على الحالة ، ويرد عليه حديث الباب فإنه بلفظ " فعنده مسجده وعنده طهوره " .

وقد استدل المصنف [ ص: 326 ] بالحديث على اشتراط دخول الوقت للتيمم لتقييد الأمر بالتيمم بإدراك الصلاة وإدراكها لا يكون إلا بعد دخول الوقت قطعا . وقد ذهب إلى ذلك الاشتراط العترة والشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وداود ، واستدلوا بقوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } ولا قيام قبله والوضوء خصه الإجماع والسنة . وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يجزئ قبل الوقت كالوضوء ، وهذا هو الظاهر ، ولم يرد ما يدل على عدم الإجزاء ، والمراد بقوله إذا قمتم : إذا أردتم القيام ، وإرادة القيام تكون في الوقت وتكون قبله ، فلم يدل دليل على اشتراط الوقت حتى يقال خصص الوضوء الإجماع .

التالي السابق


الخدمات العلمية