صفحة جزء
أبواب الأواني باب ما جاء في آنية الذهب والفضة 63 - ( عن حذيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تلبسوا الحرير ، ولا الديباج ، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة . ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة } . متفق عليه ، وهو لبقية الجماعة إلا حكم الأكل منه خاصة ) .


قال ابن منده : مجمع على صحته . قوله : ( في صحافها ) الصحاف جمع صحفة وهي دون القصعة . قال الجوهري : قال الكسائي : أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تليها تشبع العشرة ثم الصحفة تشبع الخمسة ثم المئكلة تشبع الرجلين والثلاثة . والحديث يدل على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة أما الشرب فبالإجماع ، وأما الأكل فأجازه داود ، والحديث يرد عليه ولعله لم يبلغه . قال النووي : قال أصحابنا : انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب وسائر الاستعمالات في إناء ذهب أو فضة إلا رواية عن داود في تحريم الشرب فقط ولعله لم يبلغه حديث تحريم الأكل ، وقول قديم للشافعي والعراقيين فقال بالكراهة دون التحريم ، وقد رجع عنه . وتأوله أيضا صاحب التقريب ولم يحمله على ظاهره فثبتت صحة دعوى الإجماع على ذلك ، وقد نقل الإجماع أيضا ابن المنذر على تحريم الشرب ، في آنية الذهب والفضة إلا عن معاوية بن قرة .

وقد أجيب من جهة القائلين [ ص: 91 ] بالكراهة عن الحديث بأنه للتزهيد بدليل أن لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ورد بحديث { فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم } وهو وعيد شديد ولا يكون إلا على محرم ، ولا شك أن أحاديث الباب تدل على تحريم الأكل والشرب .

وأما سائر الاستعمالات فلا والقياس على الأكل والشرب قياس مع فارق ، فإن علة النهي عن الأكل والشرب هي التشبه بأهل الجنة حيث يطاف عليهم بآنية من فضة ، وذلك مناط معتبر للشارع كما ثبت عنه لما رأى رجلا متختما بخاتم من ذهب فقال : { ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة ؟ } أخرجه الثلاثة من حديث بريدة ، وكذلك في الحرير وغيره وإلا لزم تحريم التحلي بالحلي والافتراش للحرير لأن ذلك استعمال ، وقد جوزه البعض من القائلين بتحريم الاستعمال .

وأما حكاية النووي للإجماع على تحريم الاستعمال فلا تتم مع مخالفة داود والشافعي وبعض أصحابه ، وقد اقتصر الإمام المهدي في البحر على نسبة ذلك إلى أكثر الأمة ، على أنه لا يخفى على المنصف ما في حجية الإجماع من النزاع والإشكالات التي لا مخلص عنها .

والحاصل أن الأصل الحل فلا تثبت الحرمة إلا بدليل يسلمه الخصم ، ولا دليل في المقام بهذه الصفة فالوقوف على ذلك الأصل المعتضد بالبراءة الأصلية هو وظيفة المنصف الذي لم يخبط بسوط هيبة الجمهور ولا سيما وقد أيد هذا الأصل حديث { ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا } . أخرجه أحمد وأبو داود ويشهد له ما سلف { أن أم سلمة جاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر رسول الله فخضخضت } . الحديث في البخاري وقد سبق ، وقد قيل : إن العلة في التحريم : الخيلاء أو كسر قلوب الفقراء ويرد عليه جواز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة وغالبها أنفس وأكثر قيمة من الذهب والفضة ولم يمنعها إلا من شذ .

وقد نقل ابن الصباغ في الشامل الإجماع على الجواز وتبعه الرافعي ومن بعده . وقيل : العلة : التشبه بالأعاجم وفي ذلك نظر لثبوت الوعيد لفاعله ومجرد التشبه لا يصل إلى ذلك ، . وأما اتخاذ الأواني بدون استعمال فذهب الجمهور إلى منعه ، ورخصت فيه طائفة .

64 - ( وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم } . متفق عليه . ولمسلم : { إن الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب والفضة } ) .

65 - ( وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يشرب في إناء فضة : { كأنما يجرجر في بطنه نارا } . رواه أحمد وابن ماجه ) .

[ ص: 92 ] حديث أم سلمة أخرجه أيضا الطبراني وزاد ( إلا أن يتوب ) وقد تفرد علي بن مسهر بزيادة إناء الذهب الثابتة عند مسلم .

وحديث عائشة رواه أيضا الدارقطني في العلل من طريق شعبة والثوري عن سعد بن إبراهيم عن نافع عن امرأة ابن عمر سماها الثوري : صفية .

وأخرجه أيضا أبو عوانة في صحيحه بلفظ { الذي يشرب في الفضة إنما يجرجر في جوفه نارا } وفيه اختلاف على نافع فقيل عنه : عن ابن عمر . أخرجه الطبراني في الصغير ، وأعله أبو زرعة وأبو حاتم . وقيل عنه عن أبي هريرة ذكره الدارقطني في العلل أيضا وخطأه من رواية عبد العزيز بن أبي داود قال : والصحيح فيه عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر كما تقدم يعني عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أم سلمة . قال الحافظ : فرجع الحديث إلى حديث أم سلمة .

قوله : ( يجرجر ) الجرجرة : صب الماء في الحلق كالتجرجر ، والتجرجر : أن تجرعه جرعا متداركا جرجر الشراب : صوت وجرجره : سقاه على تلك الصفة . قاله في القاموس . وقوله : نار جهنم يروى بالرفع وهو مجاز لأن النار لا تجرجر على الحقيقة ولكنه جعل صوت جرع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة لوقوع النهي عنها واستحقاق العقاب عليها كجرجرة نار جهنم في بطنه على طريق المجاز .

والأكثر الذي عليه شراح الحديث وأهل الغريب واللغة النصب . والمعنى كأنما تجرع نار جهنم . قال في الفتح : وقوله يجرجر بضم التحتانية وفتح الجيم وسكون الراء وجيم مكسورة وهو صوت يردده البعير في حنجرته إذا هاج ثم حكى الخلاف في ضبط هذه اللفظة في كتاب الأشربة ، والحديث قد تقدم الكلام عليه .

66 - ( وعن البراء بن عازب قال : { نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراب في الفضة فإنه من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة } . مختصر من مسلم . الحديث قد تقدم الكلام عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية