قوله تعالى : 
ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب 
قوله تعالى : 
وإما نرينك بعض الذي نعدهم   " ما " زائدة ، والتقدير : وإن نرينك بعض الذي نعدهم ، أي من العذاب لقوله : 
لهم عذاب في الحياة الدنيا وقوله : 
ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أي إن أريناك بعض ما وعدناهم 
أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ فليس عليك إلا البلاغ ; أي التبليغ ; 
وعلينا الحساب أي الجزاء والعقوبة . 
قوله تعالى : 
أولم يروا يعني ، 
أهل مكة  ، 
أنا نأتي الأرض أي نقصدها . 
ننقصها من أطرافها اختلف فيه ; فقال 
ابن عباس  ومجاهد    : 
ننقصها من أطرافها موت علمائها وصلحائها قال 
القشيري    : وعلى هذا فالأطراف الأشراف ; وقد قال 
ابن الأعرابي    : الطرف والطرف الرجل الكريم ; ولكن هذا القول بعيد ، لأن مقصود الآية : أنا أريناهم النقصان في أمورهم ، ليعلموا أن تأخير العقاب عنهم ليس عن عجز ; إلا أن يحمل قول 
ابن عباس  على موت أحبار 
اليهود  والنصارى    . وقال 
مجاهد  أيضا 
وقتادة  والحسن    : هو ما يغلب عليه المسلمون مما في أيدي المشركين ; وروي ذلك عن 
ابن عباس  ، وعنه أيضا هو خراب الأرض حتى يكون العمران في ناحية منها ; وعن 
مجاهد    : نقصانها خرابها وموت أهلها . وذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع بن الجراح   [ ص: 292 ] عن 
طلحة بن عمير  عن 
عطاء بن أبي رباح  في قول الله تعالى : 
أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها قال : ذهاب فقهائها وخيار أهلها . قال 
أبو عمر بن عبد البر    : قول 
عطاء  في تأويل الآية حسن جدا ; تلقاه أهل العلم بالقبول . قلت : وحكاه 
المهدوي  عن 
مجاهد   nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر  ، وهذا نص القول الأول نفسه ، روى 
سفيان  عن 
منصور  عن 
مجاهد  ، 
ننقصها من أطرافها قال : موت الفقهاء والعلماء   ; ومعروف في اللغة أن الطرف الكريم من كل شيء ; وهذا خلاف ما ارتضاه 
أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم  من قول 
ابن عباس    . وقال 
عكرمة   nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي    : هو النقصان وقبض الأنفس . قال أحدهما : ولو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حشك . وقال الآخر : لضاق عليك حش تتبرز فيه   . قيل : المراد به هلاك من هلك من الأمم قبل 
قريش  وهلاك أرضهم بعدهم ; والمعنى : أولم تر 
قريش  هلاك من قبلهم ، وخراب أرضهم بعدهم ؟ ! أفلا يخافون أن يحل بهم مثل ذلك ; وروي ذلك أيضا عن 
ابن عباس  ومجاهد   nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج    . وعن 
ابن عباس  أيضا أنه نقص بركات الأرض وثمارها وأهلها . وقيل : نقصها بجور ولاتها . قلت : وهذا صحيح معنى ; فإن الجور والظلم يخرب البلاد ، بقتل أهلها وانجلائهم عنها ، وترفع من الأرض البركة ، والله أعلم . 
قوله تعالى : والله يحكم لا معقب لحكمه أي ليس يتعقب حكمه أحد بنقص ولا تغيير . 
وهو سريع الحساب أي الانتقام من الكافرين ، سريع الثواب للمؤمن . وقيل : لا يحتاج في حسابه إلى روية قلب ، ولا عقد بنان ; حسب ما تقدم في " البقرة " بيانه .