[ ص: 286 ] قوله تعالى : 
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين   . 
فيه عشر مسائل : 
الأولى : 
قوله تعالى : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا روى 
المعتمر بن سليمان  عن 
أنس بن مالك  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831209قلت : يا نبي الله ، لو أتيت عبد الله بن أبي ؟  فانطلق إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون ، وهي أرض سبخة ، فلما أتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إليك عني! فوالله لقد آذاني نتن حمارك . فقال رجل من الأنصار    : والله لحمار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطيب ريحا منك . فغضب لعبد الله  رجل من قومه ، وغضب لكل واحد منهما أصحابه ، فكان بينهم حرب بالجريد والأيدي والنعال ، فبلغنا أنه أنزل فيهم هذه الآية   . 
وقال 
مجاهد    : نزلت في 
الأوس  والخزرج    . قال 
مجاهد    : تقاتل حيان من 
الأنصار  بالعصي والنعال فنزلت الآية . ومثله عن 
سعيد بن جبير    : أن 
الأوس  والخزرج  كان بينهم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتال بالسعف والنعال ونحوه ، فأنزل الله هذه الآية فيهم . 
وقال 
قتادة    : نزلت في رجلين من 
الأنصار  كانت بينهما مدارأة في حق بينهما! فقال أحدهما : لآخذن حقي عنوة ، لكثرة عشيرته . ودعاه الآخر إلى أن يحاكمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أن يتبعه ، فلم يزل الأمر بينهما حتى تواقعا وتناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال والسيوف ، فنزلت هذه الآية . وقال 
الكلبي    : نزلت في حرب 
سمير  وحاطب  ، وكان 
سمير  قتل 
حاطبا  ، فاقتتل 
الأوس  والخزرج  حتى أتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنزلت . وأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين أن يصلحوا بينهما . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي    : كانت امرأة من 
الأنصار  يقال لها : 
أم زيد  تحت رجل من غير 
الأنصار  ، فتخاصمت مع زوجها ، أرادت أن تزور قومها فحبسها زوجها وجعلها في علية لا يدخل عليها أحد من أهلها ، وأن المرأة بعثت إلى قومها ، فجاء قومها فأنزلوها لينطلقوا بها ، فخرج الرجل فاستغاث أهله فخرج بنو عمه ليحولوا بين المرأة وأهلها ، فتدافعوا وتجالدوا بالنعال ، فنزلت الآية . 
والطائفة تتناول الرجل الواحد والجمع والاثنين ، فهو مما حمل على المعنى دون اللفظ ; لأن الطائفتين في معنى القوم والناس . وفي قراءة 
عبد الله    ( حتى يفيئوا إلى أمر الله فإن فاءوا فخذوا بينهم بالقسط ) وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة    ( اقتتلتا ) على لفظ الطائفتين . وقد مضى في آخر ( براءة ) القول فيه . وقال 
ابن عباس  في قوله - عز وجل - : 
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين قال : الواحد فما فوقه ،   
[ ص: 287 ] والطائفة من الشيء القطعة منه . 
فأصلحوا بينهما بالدعاء إلى كتاب الله لهما أو عليهما . 
فإن بغت إحداهما على الأخرى تعدت ولم تجب إلى حكم الله وكتابه . والبغي : التطاول والفساد . 
فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله أي ترجع إلى كتابه . فإن فاءت أي فإن رجعت 
فأصلحوا بينهما بالعدل أي احملوهما على الإنصاف . وأقسطوا أيها الناس فلا تقتتلوا . وقيل : أقسطوا أي : اعدلوا . 
إن الله يحب المقسطين أي العادلين المحقين . 
الثانية : قال العلماء : لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما ، إما أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا أو لا . فإن كان الأول فالواجب في ذلك أن يمشى بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر المكافة والموادعة . فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقامتا على البغي صير إلى مقاتلتهما . وأما إن كان الثاني وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى ، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكف وتتوب ، فإن فعلت أصلح بينها وبين المبغي عليها بالقسط والعدل . فإن التحم القتال بينهما لشبهة دخلت عليهما وكلتاهما عند أنفسهما محقة ، فالواجب إزالة الشبهة بالحجة النيرة والبراهين القاطعة على مراشد الحق . فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتباع الحق بعد وضوحه لهما فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين . والله أعلم . 
الثالثة : هذه الآية دليل على وجوب 
قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين ، وعلى فساد قول من منع من قتال المؤمنين ، واحتج بقوله - عليه السلام - : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831210قتال المؤمن كفر   ) . ولو كان قتال المؤمن الباغي كفرا لكان الله تعالى قد أمر بالكفر ، تعالى الله عن ذلك! وقد قاتل 
الصديق    - رضي الله عنه - : من تمسك بالإسلام وامتنع من الزكاة ، وأمر ألا يتبع مول ، ولا يجهز على جريح ، ولم تحل أموالهم ، بخلاف الواجب في الكفار . وقال 
الطبري    : لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حد ولا أبطل باطل ، ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلا إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم   
[ ص: 288 ] من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم ، بأن يتحزبوا عليهم ، ويكف المسلمون أيديهم عنهم ، وذلك مخالف لقوله - عليه السلام - : ( 
خذوا على أيدي سفهائكم   ) . 
الرابعة : قال القاضي 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي    : هذه الآية أصل في قتال المسلمين ، والعمدة في حرب المتأولين ، وعليها عول الصحابة ، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة ، وإياها عنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831211تقتل عمارا  الفئة الباغية   ) . 
nindex.php?page=hadith&LINKID=830256وقوله - عليه السلام - في شأن الخوارج    : ( يخرجون على خير فرقة أو على حين فرقة   ] ، والرواية الأولى أصح ، لقوله - عليه السلام - : ( تقتلهم أولى الطائفتين إلى الحق ) . وكان الذي قتلهم 
علي بن أبي طالب  ومن كان معه . فتقرر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين أن 
عليا    - رضي الله عنه - كان إماما ، وأن كل من خرج عليه باغ وأن قتاله واجب حتى يفيء إلى الحق وينقاد إلى الصلح ; لأن 
عثمان    - رضي الله عنه - قتل والصحابة برآء من دمه ; لأنه منع من قتال من ثار عليه وقال : لا أكون أول من خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمته بالقتل ، فصبر على البلاء ، واستسلم للمحنة وفدى بنفسه الأمة . ثم لم يمكن ترك الناس سدى ، فعرضت على باقي الصحابة الذين ذكرهم 
عمر  في الشورى ، وتدافعوها ، وكان 
علي  كرم الله وجهه أحق بها وأهلها ، فقبلها حوطة على الأمة أن تسفك دماؤها بالتهارج والباطل ، أو يتخرق أمرها إلى ما لا يتحصل . فربما تغير الدين وانقض عمود الإسلام . فلما بويع له طلب 
أهل الشام   في شرط البيعة التمكن من قتلة 
عثمان  وأخذ القود منهم ، فقال لهم 
علي    - رضي الله عنه - : ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا إليه . فقالوا : لا تستحق بيعة وقتلة 
عثمان  معك تراهم صباحا ومساء . فكان 
علي  في ذلك أشد رأيا وأصوب قيلا ; لأن 
عليا  لو تعاطى القود منهم لتعصبت لهم قبائل وصارت حربا ثالثة ، فانتظر بهم أن يستوثق الأمر وتنعقد البيعة ، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم ، فيجري القضاء بالحق . 
ولا خلاف بين الأمة أنه 
يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة . وكذلك جرى 
لطلحة  والزبير  ، فإنهما ما خلعا 
عليا  من ولاية ولا اعترضا عليه في ديانة ، وإنما رأيا أن البداءة بقتل أصحاب 
عثمان  أولى . 
قلت : فهذا قول في سبب الحرب الواقع بينهم . وقال جلة من أهل العلم : إن الوقعة 
بالبصرة  بينهم كانت على غير عزيمة منهم على الحرب بل فجأة ، وعلى سبيل دفع كل واحد من   
[ ص: 289 ] الفريقين عن أنفسهم لظنه أن الفريق الآخر قد غدر به ; لأن الأمر كان قد انتظم بينهم ، وتم الصلح والتفرق على الرضا . فخاف قتلة 
عثمان    - رضي الله عنه - من التمكين منهم والإحاطة بهم ، فاجتمعوا وتشاوروا واختلفوا ، ثم اتفقت آراؤهم على أن يفترقوا فريقين ، ويبدءوا بالحرب سحرة في العسكرين ، وتختلف السهام بينهم ، ويصيح الفريق الذي في عسكر
علي    : غدر 
طلحة  والزبير    . والفريق الذي في عسكر 
طلحة  والزبير    : غدر 
علي    . فتم لهم ذلك على ما دبروه ، ونشبت الحرب ، فكان كل فريق دافعا لمكرته عند نفسه ، ومانعا من الإشاطة بدمه . وهذا صواب من الفريقين وطاعة لله تعالى ، إذ وقع القتال والامتناع منهما على هذه السبيل . وهذا هو الصحيح المشهور . والله أعلم . 
الخامسة : قوله تعالى : 
فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله أمر بالقتال . وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، ولذلك تخلف قوم من الصحابة - رضي الله عنهم - عن هذه المقامات ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=37كسعد بن أبي وقاص   nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمرو  ومحمد بن مسلمة  وغيرهم . وصوب ذلك 
علي بن أبي طالب  لهم ، واعتذر إليه كل واحد منهم بعذر قبله منه . ويروى أن 
معاوية    - رضي الله عنه - لما أفضى إليه الأمر ، عاتب 
سعدا  على ما فعل ، وقال له : لم تكن ممن أصلح بين الفئتين حين اقتتلا ، ولا ممن قاتل الفئة الباغية . فقال له 
سعد    : ندمت على تركي قتال الفئة الباغية   . فتبين أنه ليس على الكل درك فيما فعل ، وإنما كان تصرفا بحكم الاجتهاد وإعمالا بمقتضى الشرع . والله أعلم . 
السادسة : وقوله تعالى : 
فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل ومن العدل في صلحهم ألا يطالبوا بما جرى بينهم من دم ولا مال ، فإنه تلف على تأويل . وفي طلبهم تنفير لهم عن الصلح واستشراء في البغي . وهذا أصل في المصلحة . وقد قال لسان الأمة : إن حكمة الله تعالى في حرب الصحابة التعريف منهم لأحكام قتال أهل التأويل ، إذ كان أحكام قتال أهل الشرك قد عرفت على لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفعله . 
السابعة : 
إذا خرجت على الإمام العدل خارجة باغية ولا حجة لها ، قاتلهم الإمام بالمسلمين كافة أو من فيه كفاية ، ويدعوهم قبل ذلك إلى الطاعة والدخول في الجماعة ، فإن أبوا من الرجوع والصلح قوتلوا . 
ولا يقتل أسيرهم ولا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم ، ولا تسبى ذراريهم ولا أموالهم   . 
وإذا قتل العادل الباغي ، أو الباغي العادل وهو وليه   [ ص: 290 ] لم يتوارثا   . ولا يرث قاتل عمدا على حال . وقيل : إن العادل يرث الباغي ، قياسا على القصاص . 
الثامنة : 
وما استهلكه البغاة والخوارج  من دم أو مال ثم تابوا لم يؤاخذوا به . وقال 
أبو حنيفة    : يضمنون . 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي  قولان . وجه قول 
أبي حنيفة  أنه إتلاف بعدوان فيلزم الضمان . والمعول في ذلك عندنا أن الصحابة - رضي الله عنهم في حروبهم لم يتبعوا مدبرا ولا ذففوا على جريح ولا قتلوا أسيرا ولا ضمنوا نفسا ولا مالا ، وهم القدوة . وقال 
ابن عمر    : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500514يا عبد الله  أتدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة ) ؟ قال : الله ورسوله أعلم . فقال : ( لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيؤها   ) . فأما ما كان قائما رد بعينه . هذا كله فيمن خرج بتأويل يسوغ له . وذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري  في تفسيره : إن كانت الباغية من قلة العدد بحيث لا منعة لها ضمنت بعد الفيئة ما جنت ، وإن كانت كثيرة ذات منعة وشوكة لم تضمن ، إلا عند 
محمد بن الحسن  رحمه الله فإنه كان يفتي بأن الضمان يلزمها إذا فاءت . وأما قبل التجمع والتجند أو حين تتفرق عند وضع الحرب أوزارها ، فما جنته ضمنته عند الجميع . فحمل الإصلاح بالعدل في قوله : 
فأصلحوا بينهما بالعدل على مذهب 
محمد  واضح منطبق على لفظ التنزيل . وعلى قول غيره وجهه أن يحمل على كون الفئة الباغية قليلة العدد . والذي ذكروا أن الغرض إماتة الضغائن وسل الأحقاد دون ضمان الجنايات ليس بحسن الطباق المأمور به من أعمال العدل ومراعاة القسط . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    : فإن قلت : لم قرن بالإصلاح الثاني العدل دون الأول ؟ قلت : لأن المراد بالاقتتال في أول الآية أن يقتتلا باغيتين أو راكبتي شبهة ، وأيتهما كانت فالذي يجب على المسلمين أن يأخذوا به في شأنهما إصلاح ذات البين وتسكين الدهماء بإراءة الحق والمواعظ الشافية ونفي الشبهة ، إلا إذا أصرتا فحينئذ تجب المقاتلة ، وأما الضمان فلا يتجه . وليس كذلك إذا بغت إحداهما ، فإن الضمان متجه على الوجهين المذكورين . 
التاسعة : ولو تغلبوا على بلد فأخذوا الصدقات وأقاموا الحدود وحكموا فيهم بالأحكام ، لم تثن عليهم الصدقات ولا الحدود ، ولا ينقض من أحكامهم إلا ما كان خلافا للكتاب أو السنة أو الإجماع ، كما تنقض أحكام أهل العدل والسنة ، قاله 
مطرف   nindex.php?page=showalam&ids=12873وابن الماجشون    . وقال 
ابن القاسم    : لا تجوز بحال . وروي عن 
أصبغ  أنه جائز . وروي عنه أيضا أنه لا يجوز كقول 
ابن القاسم    . وبه قال 
أبو حنيفة ;  لأنه عمل بغير حق ممن لا تجوز توليته . فلم يجز كما لو لم يكونوا بغاة . والعمدة لنا ما قدمناه من أن الصحابة - رضي الله عنهم ، لما انجلت الفتنة وارتفع الخلاف   
[ ص: 291 ] بالهدنة والصلح ، لم يعرضوا لأحد منهم في حكم . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي    : الذي عندي أن ذلك لا يصلح ; لأن الفتنة لما انجلت كان الإمام هو الباغي ، ولم يكن هناك من يعترضه والله أعلم . 
العاشرة : 
لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به ، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل ، وهم كلهم لنا أئمة ، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم ، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر ، لحرمة الصحبة ولنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سبهم ، وأن الله غفر لهم ، وأخبر بالرضا عنهم . هذا مع ما قد ورد من الأخبار من طرق مختلفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن 
طلحة  شهيد يمشي على وجه الأرض ، فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصيانا لم يكن بالقتل فيه شهيدا . وكذلك لو كان ما خرج إليه خطأ في التأويل وتقصيرا في الواجب عليه ; لأن الشهادة لا تكون إلا بقتل في طاعة ، فوجب حمل أمرهم على ما بيناه . ومما يدل على ذلك ما قد صح وانتشر من أخبار 
علي  بأن قاتل 
الزبير  في النار . وقوله : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=831212بشر قاتل ابن صفية  بالنار   ) . وإذا كان كذلك فقد ثبت أن 
طلحة  والزبير  غير عاصيين ولا آثمين بالقتال ; لأن ذلك لو كان كذلك لم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - في 
طلحة    : ( شهيد ) . ولم يخبر أن قاتل 
الزبير  في النار . وكذلك من قعد غير مخطئ في التأويل . بل صواب أراه الله الاجتهاد . وإذا كان كذلك لم يوجب ذلك لعنهم ، والبراءة منهم وتفسيقهم ، وإبطال فضائلهم وجهادهم ، وعظيم غنائهم في الدين - رضي الله عنهم . وقد سئل بعضهم عن الدماء التي أريقت فيما بينهم فقال : 
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون   . 
سئل بعضهم عنها أيضا فقال : تلك دماء طهر الله منها يدي ، فلا أخضب بها لساني . يعني في التحرز من الوقوع في خطأ ، والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيبا فيه . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك    : ومن أصحابنا من قال : إن سبيل ما جرت بين الصحابة من المنازعات كسبيل ما جرى بين إخوة 
يوسف  مع 
يوسف  ، ثم إنهم لم يخرجوا بذلك عن حد الولاية والنبوة ، فكذلك الأمر فيما   
[ ص: 292 ] جرى بين الصحابة . وقال 
المحاسبي    : فأما الدماء فقد أشكل علينا القول فيها باختلافهم . وقد سئل 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري  عن قتالهم فقال : قتال شهده أصحاب 
محمد    - صلى الله عليه وسلم - وغبنا ، وعلموا وجهلنا ، واجتمعوا فاتبعنا ، واختلفوا فوقفنا . قال 
المحاسبي    : فنحن نقول كما قال 
الحسن  ، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا ، ونتبع ما اجتمعوا عليه ، ونقف عند ما اختلفوا فيه ولا نبتدع رأيا منا ، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل ، إذ كانوا غير متهمين في الدين ، ونسأل الله التوفيق .