قوله تعالى : 
ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة الذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة قوله تعالى : ثم كان من الذين آمنوا يعني : أنه لا يقتحم العقبة من فك رقبة ، أو أطعم في يوم ذا مسغبة ، حتي يكون من الذين آمنوا أي صدقوا ، فإن شرط قبول الطاعات الإيمان بالله . فالإيمان بالله بعد الإنفاق لا ينفع ، بل يجب أن تكون الطاعة مصحوبة بالإيمان ، قال الله تعالى في المنافقين : 
وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله   . وقالت 
عائشة    : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=832541يا رسول الله ، إن ابن جدعان  كان في الجاهلية يصل الرحم ، ويطعم الطعام ، ويفك العاني ، ويعتق الرقاب ، ويحمل على إبله لله ، فهل ينفعه ذلك شيئا ؟ قال : " لا ، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين   " . وقيل : ثم كان من الذين آمنوا أي فعل هذه الأشياء وهو مؤمن ، ثم بقي على إيمانه حتى الوفاة نظيره قوله تعالى : وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى . وقيل : المعنى ثم كان من الذين   
[ ص: 64 ] يؤمنون بأن هذا نافع لهم عند الله تعالى . وقيل : أتى بهذه القرب لوجه الله ، ثم آمن 
بمحمد    - صلى الله عليه وسلم - وقد 
nindex.php?page=hadith&LINKID=832542قال حكيم بن حزام  بعدما أسلم ، يا رسول الله ، إنا كنا نتحنث بأعمال في الجاهلية ، فهل لنا منها شيء ؟ فقال - عليه السلام - : " أسلمت على ما أسلفت من الخير " . وقيل : إن ثم بمعنى الواو أي وكان هذا المعتق الرقبة ، والمطعم في المسغبة ، من الذين آمنوا . 
وتواصوا أي أوصى بعضهم بعضا . 
بالصبر أي بالصبر على طاعة الله ، وعن معاصيه وعلى ما أصابهم من البلاء والمصائب . 
وتواصوا بالمرحمة بالرحمة على الخلق فإنهم إذا فعلوا ذلك رحموا اليتيم والمسكين . 
أولئك أصحاب الميمنة أي الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي  وغيره . وقال 
يحيى بن سلام    : لأنهم ميامين على أنفسهم . 
ابن زيد    : لأنهم أخذوا من شق 
آدم  الأيمن . وقيل : لأن منزلتهم عن اليمين قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران    . 
والذين كفروا بآياتنا أي كفروا بالقرآن . 
هم أصحاب المشأمة أي يأخذون كتبهم بشمائلهم قاله 
محمد بن كعب    . 
يحيى بن سلام    : لأنهم مشائيم على أنفسهم . 
ابن زيد    : لأنهم أخذوا من شق آدم الأيسر . 
ميمون    : لأن منزلتهم عن اليسار . 
قلت : ويجمع هذه الأقوال أن يقال : إن أصحاب الميمنة أصحاب الجنة ، وأصحاب المشأمة أصحاب النار قال الله تعالى : 
وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود ، وقال : 
وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم   . وما كان مثله . 
ومعنى مؤصدة أي مطبقة مغلقة . قال : 
تحن إلى أجبال مكة  ناقتي ومن دونها أبواب صنعاء  مؤصده 
وقيل : مبهمة ، لا يدرى ما داخلها . وأهل اللغة يقولون : أوصدت الباب وآصدته أي أغلقته . فمن قال أوصدت ، فالاسم الوصاد ، ومن قال آصدته ، فالاسم الإصاد . وقرأ 
أبو عمرو  وحفص  وحمزة  ويعقوب  والشيزري  عن 
الكسائي  مؤصدة بالهمز هنا ، وفي ( الهمزة ) . الباقون بلا همز . وهما لغتان . وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر بن عياش  قال : لنا إمام يهمز مؤصدة فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته .