القول في 
تأويل قوله ( إلا ما ذكيتم  ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني جل ثناؤه بقوله : "إلا ما ذكيتم" ، إلا ما طهرتموه بالذبح الذي جعله الله طهورا . 
ثم اختلف أهل التأويل فيما استثنى الله بقوله : "إلا ما ذكيتم " . 
فقال بعضهم : استثنى من جميع ما سمى الله تحريمه من قوله : "وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع" . 
ذكر من قال ذلك : 
11032 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
عبد الله  قال : حدثني 
معاوية  ، عن 
علي  ، عن 
ابن عباس   : "إلا ما ذكيتم" ، يقول : ما أدركت ذكاته من هذا كله ، يتحرك له ذنب ، أو تطرف له عين ، فاذبح واذكر اسم الله عليه ، فهو حلال  . 
11033 - حدثنا 
ابن وكيع  قال : حدثنا 
ابن فضيل  ، عن 
أشعث  ، عن 
الحسن   : " 
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم  " ، قال 
الحسن   : أي هذا  
[ ص: 503 ] أدركت ذكاته فذكه وكل . فقلت : يا 
أبا سعيد ،  كيف أعرف ؟ قال : إذا طرفت بعينها ، أو ضربت بذنبها  . 
11034 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة   : "إلا ما ذكيتم" ، قال : فكل هذا الذي سماه الله عز وجل هاهنا ، ما خلا لحم الخنزير ، إذا أدركت منه عينا تطرف ، أو ذنبا يتحرك ، أو قائمة تركض فذكيته ، فقد أحل الله لك ذلك  . 
11035 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
معمر  ، عن 
قتادة   : "إلا ما ذكيتم" ، من هذا كله . فإذا وجدتها تطرف عينها ، أو تحرك أذنها من هذا كله ، فهي لك حلال  . 
11036 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
هشيم  وعباد  قالا أخبرنا 
حجاج  ، عن 
حصين  ، عن 
الشعبي  ، عن 
الحارث  ، عن 
علي  قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة ، وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها  . 
11037 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثنا 
هشيم  قال : أخبرنا 
معمر  ، عن 
إبراهيم  قال : إذا أكل السبع من الصيد ، أو الوقيذة أو النطيحة أو المتردية ، فأدركت ذكاته ، فكل  . 
11038 - حدثنا 
أبو كريب  قال : حدثنا 
مصعب بن سلام التميمي  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد  ، عن أبيه ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب  قال : إذا ركضت برجلها ، أو طرفت بعينها ، وحركت ذنبها ، فقد أجزأ  .  
[ ص: 504 ] 
11039 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى  وابن بشار  قالا حدثنا 
أبو عاصم  قال : أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : أخبرني 
ابن طاوس  ، عن أبيه قال : إذ ذبحت فمصعت بذنبها ، أو تحركت ، فقد حلت لك أو قال : فحسبه  . 
11040 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى  قال : حدثنا 
الحجاج بن المنهال  قال : حدثنا 
حماد  ، عن 
حميد  ، عن 
الحسن  قال : إذا كانت الموقوذة تطرف ببصرها ، أو تركض برجلها ، أو تمصع بذنبها ، فاذبح وكل  . 
11041 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
الحجاج  قال : حدثنا 
حماد  ، عن 
قتادة  ، بمثله . 
11042 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
سويد  قال : أخبرنا 
ابن المبارك  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير  ، أنه سمع 
 nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير  يقول : إذا طرفت بعينها ، أو مصعت بذنبها ، أو تحركت ، فقد حلت لك  . 
11043 - حدثت عن 
الحسين  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول ، أخبرنا 
عبيد بن سليمان  قال : سمعت 
الضحاك  يقول : كان أهل الجاهلية يأكلون هذا ، فحرم الله في الإسلام إلا ما ذكي منه ، فما أدرك فتحرك منه رجل أو ذنب أو طرف ، فذكي ، فهو حلال  . 
11044 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله : " 
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير  " ، وقوله : " 
والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة  " ، الآية" 
وما أكل السبع إلا ما ذكيتم  " ، قال : هذا كله محرم ، إلا ما ذكي من هذا  . 
فتأويل الآية على قول هؤلاء : حرمت الموقوذة والمتردية ، إن ماتت من التردي والوقذ والنطح وفرس السبع ، إلا أن تدركوا ذكاتها ، فتدركوها قبل موتها ، فتكون حينئذ حلالا أكلها .  
[ ص: 505 ] 
وقال آخرون : هو استثناء من التحريم ، وليس باستثناء من المحرمات التي ذكرها الله تعالى في قوله : "حرمت عليكم الميتة" ، لأن الميتة لا ذكاة لها ، ولا للخنزير . قالوا : وإنما معنى الآية : حرمت عليكم الميتة والدم وسائر ما سمينا مع ذلك ، إلا ما ذكيتم مما أحله الله لكم بالتذكية ، فإنه لكم حلال . وممن قال ذلك جماعة من أهل 
المدينة   . 
ذكر بعض من قال ذلك : 
11045 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
مالك ،  وسئل عن الشاة التي يخرق جوفها السبع حتى تخرج أمعاؤها ، فقال 
مالك   : لا أرى أن تذكى ، ولا يؤكل أي شيء يذكى منها  . 
11046 - حدثني 
يونس  ، عن 
أشهب  قال : سئل 
مالك  عن السبع يعدو على الكبش فيدق ظهره ، أترى أن يذكى قبل أن يموت فيؤكل ؟ قال : إن كان بلغ السحر فلا أرى أن يؤكل . وإن كان إنما أصاب أطرافه ، فلا أرى بذلك بأسا . قيل له : وثب عليه فدق ظهره ؟ قال : لا يعجبني أن يؤكل ، هذا لا يعيش منه . قيل له : فالذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها ولا يشق الأمعاء ؟ قال : إذا شق بطنها ، فلا أرى أن تؤكل  . 
وعلى هذا القول يجب أن يكون قوله : "إلا ما ذكيتم" ، استثناء منقطعا . 
فيكون تأويل الآية : حرمت عليكم الميتة والدم وسائر ما ذكرنا ، ولكن ما ذكيتم من الحيوانات التي أحللتها لكم بالتذكية حلال . 
قال 
أبو جعفر   : وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب ، القول الأول ، وهو أن قوله : "إلا ما ذكيتم" استثناء من قوله : " 
وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع  " ، لأن كل ذلك مستحق الصفة التي  
[ ص: 506 ] هو بها قبل حال موته فيقال لما قرب المشركون لآلهتهم فسموه لهم : "هو ما أهل لغير الله به" ، بمعنى سمي قربانا لغير الله . وكذلك"المنخنقة" ، إذا انخنقت وإن لم تمت ، فهي منخنقة . وكذلك سائر ما حرمه الله جل وعز بعد قوله : "وما أهل لغير الله به" ، إلا بالتذكية ، فإنه يوصف بالصفة التي هو بها قبل موته ، فحرمه الله على عباده إلا بالتذكية المحللة ، دون الموت بالسبب الذي كان به موصوفا . فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : وحرم عليكم ما أهل لغير الله به والمنخنقة وكذا وكذا وكذا ، إلا ما ذكيتم من ذلك . 
ف"ما" إذ كان ذلك تأويله في موضع نصب بالاستثناء مما قبلها . وقد يجوز فيه الرفع . 
وإذ كان الأمر على ما وصفنا ، فكل ما أدركت ذكاته من طائر أو بهيمة قبل خروج نفسه ، ومفارقة روحه جسده ، فحلال أكله ، إذا كان مما أحله الله لعباده . 
فإن قال لنا قائل : فإذ كان ذلك معناه عندك ، فما وجه تكريره ما كرر بقوله : " 
وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية  " ، وسائر ما عدد تحريمه في هذه الآية ، وقد افتتح الآية بقوله : " 
حرمت عليكم الميتة  " ؟ وقد علمت أن قوله : " 
حرمت عليكم الميتة  " ، شامل كل ميتة ، كان موته حتف أنفه من علة به من غير جناية أحد عليه ، أو كان موته من ضرب ضارب إياه ، أو انخناق منه ، أو انتطاح ، أو فرس سبع ؟ وهلا كان قوله إن كان الأمر على ما وصفت في ذلك ، من أنه معني بالتحريم في كل ذلك : الميتة بالانخناق والنطاح والوقذ وأكل السبع أو غير ذلك ، دون أن يكون معنيا به تحريمه إذا تردى أو انخنق أو فرسه السبع ، فبلغ ذلك منه ما يعلم أنه لا يعيش مما أصابه منه إلا باليسير من الحياة  
[ ص: 507 ]  "حرمت عليكم الميتة" ، مغنيا من تكرير ما كرر بقوله : " 
وما أهل لغير الله به والمنخنقة  " ، وسائر ما ذكر مع ذلك ، وتعداده ما عدد ؟ 
قيل : وجه تكراره ذلك وإن كان تحريم ذلك إذا مات من الأسباب التي هو بها موصوف ، وقد تقدم بقوله : " 
حرمت عليكم الميتة  " أن الذين خوطبوا بهذه الآية كانوا لا يعدون"الميتة" من الحيوان ، إلا ما مات من علة عارضة به غير الانخناق والتردي والانتطاح وفرس السبع . فأعلمهم الله أن حكم ذلك ، حكم ما مات من العلل العارضة وأن العلة الموجبة تحريم الميتة ، ليست موتها من علة مرض أو أذى كان بها قبل هلاكها ، ولكن العلة في ذلك أنها لم يذبحها من أجل ذبيحته بالمعنى الذي أحلها به كالذي : - 
11047 - حدثنا 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن المفضل  قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  في قوله : " 
والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم  " ، يقول : هذا حرام ، لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه ولا يعدونه ميتا ، إنما يعدون الميت الذي يموت من الوجع . فحرمه الله عليهم ، إلا ما ذكروا اسم الله عليه ، وأدركوا ذكاته وفيه الروح  .