القول في تأويل قوله تعالى : ( 
وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب  ( 36 ) 
أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب  ( 37 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : وقال 
فرعون  لما وعظه المؤمن من آله بما وعظه به وزجره عن قتل 
موسى  نبي الله وحذره من بأس الله على قيله أقتله ما حذره لوزيره وزير السوء 
هامان   : ( 
يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب  ) يعني بناء .  
[ ص: 386 ] وقد بينا معنى الصرح فيما مضى بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . 
( 
لعلي أبلغ الأسباب  ) اختلف أهل التأويل في معنى الأسباب في هذا الموضع ، فقال بعضهم : أسباب السموات : طرقها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
أحمد بن هشام  قال : ثنا 
عبد الله بن موسى  ، عن 
إسرائيل  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  ، عن 
أبي صالح   ( 
أسباب السماوات  ) قال : طرق السموات . 
حدثنا 
محمد بن الحسين  قال : ثنا 
أحمد بن المفضل  قال : ثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   ( 
أبلغ الأسباب أسباب السماوات  ) قال : طرق السموات . 
وقال آخرون : عنى بأسباب السموات : أبواب السموات . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة   ( 
وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا  ) وكان أول من بنى بهذا الآجر وطبخه ( 
لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات  ) : أي أبواب السموات . 
وقال آخرون : بل عنى به منزل السماء . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله : ( 
لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات  ) قال : منزل السماء . 
وقد بينا فيما مضى قبل ، أن السبب : هو كل ما تسبب به إلى الوصول إلى ما يطلب من حبل وسلم وطريق وغير ذلك . 
فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال : معناه لعلي أبلغ من أسباب السموات أسبابا أتسبب بها إلى رؤية إله موسى ، طرقا كانت تلك الأسباب منها ،  
[ ص: 387 ] أو أبوابا ، أو منازل ، أو غير ذلك . 
وقوله : ( 
فأطلع إلى إله موسى  ) اختلف القراء في قراءة قوله : ( فأطلع ) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار : " فأطلع " بضم العين : ردا على قوله : ( 
أبلغ الأسباب  ) وعطفا به عليه . وذكر عن 
حميد الأعرج  أنه قرأ ( فأطلع ) نصبا جوابا للعلي ، وقد ذكر الفراء أن بعض العرب أنشده : 
عل صروف الدهر أو دولاتها يدلننا اللمة من لماتها     فتستريح النفس من زفراتها 
فنصب فتستريح على أنها جواب للعل 
والقراءة التي لا أستجيز غيرها الرفع في ذلك ، لإجماع الحجة من القراء عليه . 
وقوله : ( 
وإني لأظنه كاذبا  ) يقول : وإني لأظن 
موسى  كاذبا فيما يقول ويدعي من أن له في السماء ربا أرسله إلينا . 
وقوله : ( 
وكذلك زين لفرعون سوء عمله  ) يقول الله - تعالى ذكره - : وهكذا  
[ ص: 388 ] زين الله 
لفرعون  حين عتا عليه وتمرد ، قبيح عمله ، حتى سولت له نفسه بلوغ أسباب السموات ، ليطلع إلى إله 
موسى   . 
وقوله : ( 
وصد عن السبيل  ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة 
قراء المدينة   والكوفة   : ( 
وصد عن السبيل  ) بضم الصاد ، على وجه ما لم يسم فاعله . 
كما حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة   ( 
وصد عن السبيل  ) قال : فعل ذلك به ، زين له سوء عمله ، وصد عن السبيل . 
وقرأ ذلك 
حميد  وأبو عمرو  وعامة 
قراء البصرة   " وصد " بفتح الصاد ، بمعنى : وأعرض 
فرعون  عن سبيل الله التي ابتعث بها 
موسى  استكبارا . 
والصواب من القول فى ذلك أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . 
وقوله : ( 
وما كيد فرعون إلا في تباب  ) يقول - تعالى ذكره - : وما احتيال 
فرعون  الذي يحتال للاطلاع إلى إله 
موسى  ، إلا في خسار وذهاب مال وغبن ، لأنه ذهبت نفقته التي أنفقها على الصرح باطلا ولم ينل بما أنفق شيئا مما أراده ، فذلك هو الخسار والتباب . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي  قال : ثنا 
أبو صالح  قال : ثني 
معاوية  ، عن 
علي  ، عن 
ابن عباس  قوله : ( 
وما كيد فرعون إلا في تباب  ) يقول : في خسران . 
حدثني 
محمد بن عمرو  قال : ثنا 
أبو عاصم  قال : ثنا 
عيسى  ، وحدثني 
الحارث  قال : ثنا 
الحسن  قال : ثنا 
ورقاء  جميعا ، ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد  قوله : ( في تباب ) قال : خسار .  
[ ص: 389 ] 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة   ( 
وما كيد فرعون إلا في تباب  ) : أي في ضلال وخسار . 
حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  ، في قوله : ( 
وما كيد فرعون إلا في تباب  ) قال : التباب والضلال واحد .