1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة الشورى
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور ( 23 ) )

يقول - تعالى ذكره - : هذا الذي أخبرتكم أيها الناس أني أعددته للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الآخرة من النعيم والكرامة ، البشرى التي يبشر الله عباده الذين آمنوا به في الدنيا ، وعملوا بطاعته فيها . ( قل لا أسألكم عليه أجرا ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك : لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به ، والنصيحة التي أنصحكم ثوابا وجزاء ، وعوضا من أموالكم تعطوننيه ( إلا المودة في القربى ) .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( إلا المودة في القربى ) . فقال [ ص: 525 ] بعضهم : معناه : إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتصلوا رحمي بيني وبينكم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبوكريب ويعقوب ، قالا ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبينهم قرابة ، فقال : " قل لا أسألكم عليه أجرا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم " .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا أبو أسامة قال : ثنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس ، في قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : سئل عنها ابن عباس ، فقال ابن جبير : هم قربى آل محمد ، فقال ابن عباس : عجلت ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بطن من بطون قريش إلا وله فيهم قرابة ، قال : فنزلت ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : " إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها " .

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرابة في جميع قريش ، فلما كذبوه وأبوا أن يبايعوه قال : " يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي فيكم لا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونصرتي منكم " .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - قال لقريش : " لا أسألكم من أموالكم شيئا ، ولكن أسألكم أن لا تؤذوني لقرابة ما بيني وبينكم ، فإنكم قومي وأحق من أطاعني وأجابني " . [ ص: 526 ]

حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عكرمة قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان واسطا من قريش ، كان له في كل بطن من قريش نسب ، فقال : ولا أسألكم على ما أدعوكم إليه إلا أن تحفظوني في قرابتي ، قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " .

حدثني يعقوب قال : ثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واسط النسب من قريش ، ليس حي من أحياء قريش إلا وقد ولدوه؛ قال : فقال الله عز وجل : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) : " إلا أن تودوني لقرابتي منكم وتحفظوني " .

حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس قال : ثنا عبثر قال : ثنا حصين ، عن أبي مالك في هذه الآية : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم وأمه من بني زهرة وأم أبيه من بني مخزوم ، فقال : " احفظوني في قرابتي " .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا حرمي قال : ثنا شعبة قال : أخبرني عمارة ، عن عكرمة ، في قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : تعرفون قرابتي ، وتصدقونني بما جئت به ، وتمنعوني .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) وإن الله تبارك وتعالى أمر محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن لا يسأل الناس على هذا القرآن أجرا إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة ، وكل بطون قريش قد ولدته وبينه وبينهم قرابة .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( إلا المودة في القربى ) أن تتبعوني ، وتصدقوني وتصلوا رحمي . [ ص: 527 ]

حدثنا محمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، فى قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : لم يكن بطن من بطون قريش إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم ولادة ، فقال : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لقرابتي منكم .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) يعني قريشا . يقول : إنما أنا رجل منكم ، فأعينوني على عدوي ، واحفظوا قرابتي ، وإن الذي جئتكم به لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، أن تودوني لقرابتي ، وتعينوني على عدوي .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : يقول : إلا أن تودوني لقرابتي كما توادون في قرابتكم وتواصلون بها ، ليس هذا الذي جئت به يقطع ذلك عني ، فلست أبتغي على الذي جئت به أجرا آخذه على ذلك منكم .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني سعيد بن أبي أيوب ، عن عطاء بن دينار ، في قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) يقول : لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا ، إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتمنعوني من الناس .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : كل قريش كانت بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرابة ، فقال : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني بالقرابة التي بيني وبينكم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : قل لمن تبعك من المؤمنين : لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودوا قرابتي . [ ص: 528 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمارة قال : ثنا إسماعيل بن أبان قال : ثنا الصباح بن يحيى المري ، عن السدي ، عن أبي الديلم قال : لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله عنهما أسيرا ، فأقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ، وقطع قربى الفتنة ، فقال له علي بن الحسين رضي الله عنهما : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم ، قال : أقرأت آل حم ؟ قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم ، قال : ما قرأت ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ؟ قال : وإنكم لأنتم هم ؟ قال نعم .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا مالك بن إسماعيل قال : ثنا عبد السلام قال : ثنا يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : قالت الأنصار : فعلنا وفعلنا ، فكأنهم فخروا ، قال ابن عباس ، أو العباس ، شك عبد السلام : لنا الفضل عليكم ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاهم في مجالسهم ، فقال : " يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " أفلا تجيبوني ؟ " قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال : " ألا تقولون : ألم يخرجك قومك فآويناك ، أولم يكذبوك فصدقناك ، أولم يخذلوك فنصرناك ؟ " قال : فما زال يقول حتى جثوا على الركب ، وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله ، قال : فنزلت ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) .

حدثني يعقوب قال : ثنا مروان ، عن يحيى بن كثير ، عن أبي العالية ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : هي قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

حدثني محمد بن عمارة الأسدي ومحمد بن خلف قالا ثنا عبيد الله قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق قال : سألت عمرو بن شعيب ، عن قول الله [ ص: 529 ] عز وجل : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : قربى النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : قل لا أسألكم أيها الناس على ما جئتكم به أجرا إلا أن توددوا إلى الله ، وتتقربوا بالعمل الصالح والطاعة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي بن داود ومحمد بن داود أخوه أيضا قالا ثنا عاصم بن علي قال : ثنا قزعة بن سويد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " قل لا أسألكم على ما آتيتكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن توددوا الله وتتقربوا إليه بطاعته " .

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن أنه قال في هذه الآية ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : القربى إلى الله .

حدثني يعقوب قال : ثناهشيم ، قال : أخبرنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : إلا التقرب إلى الله ، والتودد إليه بالعمل الصالح .

بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال الحسن : في قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قل لا أسألكم على ما جئتكم به ، وعلى هذا الكتاب أجرا ، إلا المودة في القربى ، إلا أن توددوا إلى الله بما يقربكم إليه ، وعمل بطاعته .

قال بشر : قال يزيد : وحدثنيه يونس ، عن الحسن ، حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) إلا أن توددوا إلى الله فيما يقربكم إليه .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إلا أن تصلوا قرابتكم . [ ص: 530 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا أبو عامر قال : ثنا قرة ، عن عبد الله بن القاسم ، في قوله : ( إلا المودة في القربى ) قال : أمرت أن تصل قرابتك .

وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب ، وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال : معناه : قل لا أسألكم عليه أجرا يا معشر قريش ، إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم .

وإنما قلت : هذا التأويل أولى بتأويل الآية لدخول " في " في قوله : ( إلا المودة في القربى ) ، ولو كان معنى ذلك على ما قاله من قال : إلا أن تودوا قرابتي ، أو تقربوا إلى الله ، لم يكن لدخول " في " في الكلام في هذا الموضع وجه معروف ، ولكان التنزيل : إلا مودة القربى إن عنى به الأمر بمودة قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو إلا المودة بالقربى ، أو ذا القربى إن عنى به التودد والتقرب . وفي دخول " في " في الكلام أوضح الدليل على أن معناه : إلا مودتي في قرابتي منكم ، وأن الألف واللام فى المودة أدخلتا بدلا من الإضافة ، كما قيل : ( فإن الجنة هي المأوى ) وقوله : " إلا " في هذا الموضع استثناء منقطع . ومعنى الكلام : قل لا أسألكم عليه أجرا ، لكني أسألكم المودة في القربى ، فالمودة منصوبة على المعنى الذي ذكرت . وقد كان بعض نحويي البصرة يقول : هي منصوبة بمضمر من الفعل ، بمعنى : إلا أن أذكر مودة قرابتي .

وقوله : ( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) يقول - تعالى ذكره - : ومن يعمل حسنة ، وذلك أن يعمل عملا يطيع الله فيه من المؤمنين ( نزد له فيها حسنا ) يقول : نضاعف عمله ذلك الحسن ، فنجعل له مكان الواحد عشرا إلى ما شئنا من الجزاء والثواب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 531 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قول الله عز وجل : ( ومن يقترف حسنة ) قال : يعمل حسنة .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) قال : من يعمل خيرا نزد له . الاقتراف : العمل .

وقوله : ( إن الله غفور شكور ) يقول : إن الله غفور لذنوب عباده ، شكور لحسناتهم وطاعتهم إياه .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ( إن الله غفور ) للذنوب ( شكور ) للحسنات يضاعفها .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إن الله غفور شكور ) قال : غفر لهم الذنوب ، وشكر لهم نعما هو أعطاهم إياها ، وجعلها فيهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية