[ ص: 195 ]  [ ص: 196 ]  [ ص: 197 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
القول في تأويل قوله تعالى : ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا  ( 1 ) 
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما  ( 2 ) 
وينصرك الله نصرا عزيزا  ( 3 ) ) 
يعني بقوله - تعالى ذكره - لنبيه 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا  ) يقول : إنا حكمنا لك يا 
محمد  حكما لمن سمعه أو بلغه على من خالفك وناصبك من كفار قومك ، وقضينا لك عليهم بالنصر والظفر ، لتشكر ربك ، وتحمده على نعمته بقضائه لك عليهم ، وفتحه ما فتح لك ، ولتسبحه وتستغفره ، فيغفر لك بفعالك ذلك ربك ، ما تقدم من ذنبك قبل فتحه لك ما فتح ، وما تأخر بعد فتحه لك ذلك ما شكرته واستغفرته . 
وإنما اخترنا هذا القول في تأويل هذه الآية لدلالة قول الله - عز وجل - ( 
إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا  ) على صحته ، إذ أمره - تعالى ذكره - أن يسبح بحمد ربه إذا جاءه نصر الله وفتح 
مكة  ، وأن يستغفره ، وأعلمه أنه تواب على من فعل ذلك ، ففي ذلك بيان واضح أن قوله - تعالى ذكره - ( 
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر  ) إنما هو خبر من الله - جل ثناؤه - نبيه عليه الصلاة والسلام عن جزائه له على شكره له ، على النعمة التي أنعم بها عليه من إظهاره له ما فتح ؛ لأن جزاء الله تعالى عباده على أعمالهم دون غيرها .  
[ ص: 198 ] 
وبعد ففي صحة الخبر عنه - صلى الله عليه وسلم - " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810990أنه كان يقوم حتى ترم قدماه ، فقيل له : يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : أفلا أكون عبدا شكورا ؟  " الدلالة الواضحة على أن الذي قلنا من ذلك هو الصحيح من القول ، وأن الله تبارك وتعالى ، إنما وعد نبيه 
محمدا   - صلى الله عليه وسلم - غفران ذنوبه المتقدمة ، فتح ما فتح عليه ، وبعده على شكره له ، على نعمه التي أنعمها عليه . 
وكذلك كان يقول - صلى الله عليه وسلم - : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810991إني لأستغفر الله وأتوب إليه في كل يوم مائة مرة  " ولو كان القول في ذلك أنه من خبر الله تعالى نبيه أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر على غير الوجه الذي ذكرنا ، لم يكن لأمره إياه بالاستغفار بعد هذه الآية ، ولا لاستغفار نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ربه جل جلاله من ذنوبه بعدها معنى يعقل ، إذ 
الاستغفار معناه  : طلب العبد من ربه - عز وجل - غفران ذنوبه ، فإذا لم يكن ذنوب تغفر لم يكن لمسألته إياه غفرانها معنى ؛ لأنه من المحال أن يقال : اللهم اغفر لي ذنبا لم أعمله . 
وقد تأول ذلك بعضهم بمعنى : ليغفر لك ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة ، وما تأخر إلى الوقت الذي قال : (
إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر  ) . وأما الفتح الذي وعد الله - جل ثناؤه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - هذه العدة على شكره إياه عليه ، فإنه فيما ذكر الهدنة التي جرت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين مشركي قريش 
بالحديبية   . 
وذكر أن هذه السورة أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصرفه عن 
الحديبية  بعد الهدنة التي جرت بينه وبين قومه . 
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا  ) قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
محمد بن عبد الأعلى  قال : ثنا 
محمد بن ثور  ، عن 
معمر ،  عن 
قتادة  قوله ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا  ) قال : قضينا لك قضاء مبينا .  
[ ص: 199 ] 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  قوله : ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا  ) والفتح : القضاء . 
ذكر الرواية عمن قال : هذه السورة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوقت الذي ذكرت . 
حدثنا 
حميد بن مسعدة  قال : ثنا 
بشر بن المفضل  قال : ثنا 
داود ،  عن 
عامر   ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا  ) قال : 
الحديبية   . 
حدثني 
محمد بن عمرو  قال : ثنا 
أبو عاصم  قال : ثنا 
عيسى  ، وحدثني 
الحارث  قال : ثنا 
الحسن  قال : ثنا 
ورقاء  جميعا ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد  في قول الله ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا  ) قال : نحره 
بالحديبية  وحلقه . 
حدثنا 
محمد بن عبد الله بن بزيع  قال : ثنا 
أبو بحر  قال : ثنا 
شعبة  قال : ثنا 
جامع بن شداد  ، عن 
عبد الرحمن بن أبي علقمة  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811769سمعت  nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود  يقول " لما أقبلنا من الحديبية  أعرسنا فنمنا ، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت ، فاستيقظنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نائم ، قال : فقلنا أيقظوه ، فاستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : افعلوا كما كنتم تفعلون ، فكذلك من نام أو نسي قال : وفقدنا ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدناها قد تعلق خطامها بشجرة ، فأتيته بها ، فركب فبينا نحن نسير ، إذ أتاه الوحي ، قال : وكان إذا أتاه اشتد عليه; فلما سري عنه أخبرنا أنه أنزل عليه ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا  ) " . 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12235أحمد بن المقدام  قال : ثنا 
المعتمر  قال : سمعت أبي يحدث عن 
قتادة ،  عن 
أنس بن مالك  قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811770لما رجعنا من غزوة الحديبية  ، وقد حيل بيننا وبين نسكنا ، قال : فنحن بين الحزن والكآبة ، قال : فأنزل الله - عز وجل - : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما  ) ، أو كما شاء الله ، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : لقد أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا جميعا  " .  
[ ص: 200 ] 
حدثنا 
ابن بشار  قال : ثنا 
ابن أبي عدي  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ،  عن 
قتادة ،  nindex.php?page=hadith&LINKID=810992عن أنس بن مالك  في قوله ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا  ) قال : نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرجعه من الحديبية  ، وقد حيل بينهم وبين نسكهم ، فنحر الهدي بالحديبية  ، وأصحابه مخالطو الكآبة والحزن ، فقال : لقد أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا جميعا ، فقرأ ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر  ) . . . إلى قوله ( عزيزا ) فقال أصحابه هنيئا لك يا رسول الله قد بين الله لنا ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ، فأنزل الله هذه الآية بعدها ( ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها  ) . . . إلى قوله ( وكان ذلك عند الله فوزا عظيما  ) . 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى  قال : ثنا 
أبو داود  قال : ثنا 
همام  قال : ثنا 
قتادة ،  عن 
أنس  قال : أنزلت هذه الآية ، فذكر نحوه . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  عن 
أنس  بنحوه ، غير أنه قال في حديثه : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811771فقال رجل من القوم : هنيئا لك مريئا يا رسول الله ، وقال أيضا : فبين الله ماذا يفعل بنبيه عليه الصلاة والسلام ، وماذا يفعل بهم  " . 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى  قال : ثنا 
ابن ثور ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة  قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810993ونزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر  ) مرجعه من الحديبية  ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لقد نزلت علي آية أحب إلي مما على الأرض ، ثم قرأها عليهم ، فقالوا : هنيئا مريئا يا نبي الله ، قد بين الله - تعالى ذكره - لك ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه ( ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار  ) . . . إلى قوله ( فوزا عظيما  )  " . 
حدثنا 
ابن بشار  وابن المثنى  قالا ثنا 
محمد بن جعفر  قال : ثنا 
شعبة  ، عن 
قتادة ،  عن 
عكرمة  قال : لما نزلت هذه الآية  
[ ص: 201 ]  ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما  ) قالوا : هنيئا مريئا لك يا رسول الله ، فماذا لنا ؟ فنزلت ( 
ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم  )  . 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى  قال : ثنا 
محمد بن جعفر  قال : ثنا 
شعبة  قال : سمعت 
قتادة  يحدث عن 
أنس  في هذه الآية ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا  ) قال : 
الحديبية .  
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى  قال : ثنا 
يحيى بن حماد  قال : ثنا 
أبو عوانة ،  عن 
الأعمش  ، عن 
أبي سفيان  ، عن 
جابر  قال : ما كنا نعد فتح 
مكة  إلا يوم 
الحديبية   . 
حدثنا 
أبو كريب  قال : ثنا 
يعلى بن عبيد  ، عن 
عبد العزيز بن سياه ،  عن 
حبيب بن أبي ثابت ،  عن 
أبي وائل  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810994تكلم سهل بن حنيف  يوم صفين ، فقال : يا أيها الناس اتهموا أنفسكم ، لقد رأيتنا يوم الحديبية  ، يعني الصلح الذي كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين ، ولو نرى قتالا لقاتلنا ، فجاء عمر  إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى ، قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال : يا ابن الخطاب  ، إني رسول الله ، ولن يضيعني أبدا" قال : فرجع وهو متغيظ ، فلم يصبر حتى أتى أبا بكر  ، فقال : يا أبا بكر  ألسنا على حق وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة ، وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى ، قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال : يا ابن الخطاب  إنه رسول الله ، لن يضيعه الله أبدا ، قال : فنزلت سورة الفتح ، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمر  ، فأقرأه إياها ، فقال : يا رسول الله ، أوفتح هو ؟ قال : نعم " . 
حدثني 
يحيى بن إبراهيم المسعودي  قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ،  
[ ص: 202 ] عن 
الأعمش  ، عن 
أبي سفيان  ، عن 
جابر  قال : ما كنا نعد الفتح إلا يوم 
الحديبية   . 
حدثنا 
ابن وكيع  قال : ثنا أبي ، عن 
إسرائيل  ، عن 
أبي إسحاق  ، عن 
البراء  قال : تعدون أنتم الفتح فتح 
مكة  ، وقد كان فتح 
مكة  فتحا ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم 
الحديبية  ، كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة مائة ، 
والحديبية   : بئر . 
حدثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=12106موسى بن سهل الرملي  ، ثنا 
محمد بن عيسى  قال : ثنا 
مجمع بن يعقوب الأنصاري  قال : سمعت أبي يحدث عن عمه 
عبد الرحمن بن يزيد  ، عن عمه 
مجمع بن جارية الأنصاري  ، وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن ، قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810995شهدنا الحديبية  مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما انصرفنا عنها ، إذا الناس يهزون الأباعر ، فقال بعض الناس لبعض : ما للناس ، قالوا : أوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله  ) فقال رجل : أوفتح هو يا رسول الله ؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده إنه لفتح ، قال : فقسمت خيبر  على أهل الحديبية  ، لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية  ، وكان الجيش ألفا وخمسمائة ، فيهم ثلاثمائة فارس ، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثمانية عشر سهما ، فأعطى الفارس سهمين ، وأعطى الراجل سهما  " . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
جرير  ، عن 
مغيرة ،  عن 
الشعبي  قال : " نزلت ( 
إنا فتحنا لك فتحا مبينا  ) 
بالحديبية  ، وأصاب في تلك الغزوة ما لم يصبه في غزوة ، أصاب أن بويع بيعة الرضوان ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وظهرت 
الروم  على 
فارس  ، وبلغ الهدي محله ، وأطعموا نخل 
خيبر  ، وفرح المؤمنون بتصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - وبظهور 
الروم  على 
فارس   " . 
وقوله تعالى ( 
ويتم نعمته عليك  ) بإظهاره إياك على عدوك ، ورفعه ذكرك في الدنيا ، وغفرانه ذنوبك في الآخرة ( 
ويهديك صراطا مستقيما  ) يقول : ويرشدك  
[ ص: 203 ] طريقا من الدين لا اعوجاج فيه ، يستقيم بك إلى رضا ربك ( 
وينصرك الله نصرا عزيزا  ) يقول : وينصرك على سائر أعدائك ، ومن ناوأك نصرا لا يغلبه غالب ، ولا يدفعه دافع ، للبأس الذي يؤيدك الله به ، وبالظفر الذي يمدك به .