القول في تأويل قوله تعالى : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير  ( 22 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : ما أصابكم - أيها الناس - من مصيبة في الأرض بجدوبها وقحوطها ، وذهاب زرعها وفسادها ، ( 
ولا في أنفسكم  ) بالأوصاب والأوجاع والأسقام ، ( 
إلا في كتاب  ) يعني : إلا في أم الكتاب ، ( 
من قبل أن نبرأها  ) يقول : من قبل أن نبرأ الأنفس . يعني : من قبل أن نخلقها ، يقال : قد برأ الله هذا الشيء بمعنى : خلقه فهو بارئه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن سعد  قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  في قوله :  
[ ص: 196 ]  ( 
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها  ) قال : هو شيء قد فرغ منه من قبل أن نبرأ النفس . 
حدثنا 
بشر  قال : ثنا 
يزيد  قال : ثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  في قوله : ( 
ما أصاب من مصيبة في الأرض  ) أما مصيبة الأرض : فالسنون . وأما في أنفسكم : فهذه الأمراض والأوصاب ، ( 
من قبل أن نبرأها  ) : من قبل أن نخلقها . 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى  قال : ثنا 
ابن ثور  ، عن 
معمر  ، عن 
قتادة  في قوله : ( 
ما أصاب من مصيبة في الأرض  ) قال : هي السنون ، ( 
ولا في أنفسكم  ) قال : الأوجاع والأمراض . قال : وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ، ولا نكبة قدم ، ولا خلجان عرق إلا بذنب ، وما يعفو عنه أكثر . 
حدثني 
يعقوب  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية  ، عن 
منصور بن عبد الرحمن  قال : كنت جالسا مع 
الحسن  فقال رجل : سله عن قوله : ( 
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها  ) فسألته عنها فقال : سبحان الله ، ومن يشك في هذا ؟ كل مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب الله من قبل أن تبرأ النسمة  . 
حدثت عن 
الحسين  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : ثنا 
عبيد  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : ( 
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها  ) يقول : هو شيء قد فرغ منه ، ( 
من قبل أن نبرأها  ) : من قبل أن نبرأ الأنفس . 
حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قول الله - جل ثناؤه - ( 
في كتاب من قبل أن نبرأها  ) قال : من قبل أن نخلقها . قال : المصائب والرزق والأشياء كلها مما تحب وتكره فرغ الله من ذلك كله ، قبل أن يبرأ النفوس ويخلقها . 
وقال آخرون : عني بذلك : ما أصاب من مصيبة في دين ولا دنيا . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي  قال : ثنا 
أبو صالح  قال : ثني 
معاوية  ، عن 
علي  ، عن  
[ ص: 197 ] ابن عباس  في قوله : ( 
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها  ) يقول : في الدين والدنيا ( إلا في كتاب ) : من قبل أن نخلقها . 
واختلف أهل العربية في معنى " في " التي بعد قوله " إلا " فقال بعض نحويي 
البصرة  يريد - والله أعلم بذلك - إلا هي في كتاب ، فجاز فيه الإضمار . قال ويقول : عندي هذا ليس إلا يريد إلا هو . وقال غيره منهم قوله : ( في كتاب ) : من صلة ما أصاب ، وليس إضمار هو بشيء . وقال : ليس قوله : عندي هذا ليس إلا مثله ؛ لأن إلا تكفي من الفعل ، كأنه قال : ليس غيره . 
وقوله : ( 
إن ذلك على الله يسير  ) يقول - تعالى ذكره - : إن خلق النفوس ، وإحصاء ما هي لاقية من المصائب على الله سهل يسير .