القول في تأويل قوله تعالى : ( لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور  ( 23 ) ) 
يعني - تعالى ذكره - : ما أصابكم - أيها الناس - من مصيبة في أموالكم ولا في أنفسكم إلا في كتاب قد كتب ذلك فيه ، من قبل أن نخلق نفوسكم ( 
لكي لا تأسوا  ) يقول : لكيلا تحزنوا ، ( 
على ما فاتكم  ) من الدنيا ، فلم تدركوه منها ، ( 
ولا تفرحوا بما آتاكم  ) منها . 
ومعنى قوله : ( 
بما آتاكم  ) إذا مدت الألف منها بالذي أعطاكم منها ربكم وملككم وخولكم ، وإذا قصرت الألف فمعناها : بالذي جاءكم منها . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي  قال : ثنا 
أبو صالح  قال : ثني 
معاوية  ، عن 
علي  ، عن  
[ ص: 198 ] ابن عباس   ( 
لكي لا تأسوا على ما فاتكم  ) من الدنيا ، ( 
ولا تفرحوا بما آتاكم  ) منها . 
حدثت عن 
الحسين بن يزيد الطحان  قال : ثنا 
إسحاق بن منصور  ، عن 
قيس  ، عن 
سماك  ، عن 
عكرمة  ، عن 
ابن عباس   ( 
لكي لا تأسوا على ما فاتكم  ) قال : الصبر عند المصيبة ، والشكر عند النعمة . 
حدثنا 
ابن حميد  قال : ثنا 
مهران  ، عن 
سفيان  ، عن 
سماك البكري  ، عن 
عكرمة  ، عن 
ابن عباس   ( 
لكي لا تأسوا على ما فاتكم  ) قال : ليس أحد إلا يحزن ويفرح ، ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبرا ، ومن أصابه خير فجعله شكرا . 
حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قول الله - عز وجل - ( 
لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم  ) قال : لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا ، ولا تفرحوا بما أتاكم منها . 
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( 
بما آتاكم  ) فقرأ ذلك عامة 
قراء الحجاز  والكوفة   ( 
بما آتاكم  ) بمد الألف ، وقرأه بعض 
قراء البصرة   " بما أتاكم " بقصر الألف وكأن من قرأ ذلك بقصر الألف - اختار قراءته كذلك - إذ كان الذي قبله على ما فاتكم ، ولم يكن على ما أفاتكم ، فيرد الفعل إلى الله ، فألحق قوله : " بما أتاكم " به ، ولم يرده إلى أنه خبر عن الله . 
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان صحيح معناهما ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وإن كنت أختار مد الألف ؛ لكثرة قارئي ذلك كذلك ، وليس للذي اعتل به منه معتلو قارئيه بقصر الألف كبير معنى ؛ لأن ما جعل من ذلك خبرا عن الله ، وما صرف منه إلى الخبر عن غيره ، فغير خارج جميعه عند سامعيه من أهل العلم أنه من فعل الله تعالى ، فالفائت من الدنيا من فاته منها شيء ، والمدرك منها ما أدرك عن تقدم الله - عز وجل - وقضائه ، وقد بين ذلك - جل ثناؤه - لمن عقل عنه بقوله :  
[ ص: 199 ]  ( 
الفضل العظيم ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها  ) فأخبر أن الفائت منها بإفاتته إياهم فاتهم ، والمدرك منها بإعطائه إياهم أدركوا ، وأن ذلك محفوظ لهم في كتاب من قبل أن يخلقهم . 
وقوله : ( 
والله لا يحب كل مختال فخور  ) يقول : والله لا يحب كل متكبر بما أوتي من الدنيا ، فخور به على الناس .