[ ص: 627 ]  [ ص: 628 ]  [ ص: 629 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
القول في تأويل 
قوله تعالى : ( إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم  ( 1 ) 
قال يا قوم إني لكم نذير مبين  ( 2 ) 
أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون  ( 3 ) 
يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون  ( 4 ) ) 
يقول تعالى ذكره : ( 
إنا أرسلنا نوحا  ) وهو 
نوح بن لمك   ( 
إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم  ) يقول : أرسلناه إليهم بأن أنذر قومك; ف "أن" في موضع نصب في قول بعض أهل العربية ، وفي موضع خفض في قول بعضهم . 
وقد بينت العلل لكل فريق منهم ، والصواب عندنا من القول في ذلك فيما مضى من كتابنا هذا ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، وهي في قراءة 
عبد الله  فيما ذكر ( إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أنذر قومك ) بغير "أن" وجاز ذلك لأن الإرسال بمعنى القول ، فكأنه قيل : قلنا 
لنوح   : أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم; وذلك العذاب الأليم هو الطوفان الذي غرقهم الله به . 
وقوله : ( 
قال يا قوم إني لكم نذير مبين  ) يقول تعالى ذكره : قال 
نوح  لقومه : يا قوم إني لكم نذير مبين ، أنذركم عذاب الله فاحذروه أن ينزل بكم على كفركم به ( مبين ) يقول : قد أبنت لكم إنذاري إياكم . 
وقوله : ( 
أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون  ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل 
نوح  لقومه : ( 
إني لكم نذير مبين  ) بأن اعبدوا الله ، يقول : إني لكم نذير أنذركم ، وآمركم  
[ ص: 630 ] بعبادة الله ( واتقوه ) يقول : واتقوا عقابه بالإيمان به ، والعمل بطاعته ( وأطيعون ) يقول : وانتهوا إلى ما آمركم به ، واقبلوا نصيحتي لكم . 
وقد حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  قوله : ( 
أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون  ) قال : أرسل الله المرسلين بأن يعبد الله وحده ، وأن تتقى محارمه ، وأن يطاع أمره  . 
وقوله : ( 
يغفر لكم من ذنوبكم  ) يقول : يغفر لكم ذنوبكم . 
فإن قال قائل : أوليست "من" دالة على البعض ؟ قيل : إن لها معنيين وموضعين ، فأما أحد الموضعين فهو الموضع الذي لا يصح فيه غيرها . وإذا كان ذلك كذلك لم تدل إلا على البعض ، وذلك كقولك : اشتريت من مماليكك ، فلا يصح في هذا الموضع غيرها ، ومعناها : البعض ، اشتريت بعض مماليكك ، ومن مماليكك مملوكا . والموضع الآخر : هو الذي يصلح فيه مكانها "عن" فإذا صلحت مكانها "عن" دلت على الجميع ، وذلك كقولك : وجع بطني من طعام طعمته ، فإن معنى ذلك : أوجع بطني طعام طعمته ، وتصلح مكان "من" "عن" وذلك أنك تضع موضعها "عن" فيصلح الكلام فتقول : وجع بطني عن طعام طعمته ، ومن طعام طعمته ، فكذلك قوله : ( 
يغفر لكم ذنوبكم  ) إنما هو : ويصفح لكم ، ويعفو لكم عنها; وقد يحتمل أن يكون معناها : يغفر لكم من ذنوبكم ما قد وعدكم العقوبة عليه . فأما ما لم يعدكم العقوبة عليه فقد تقدم عفوه لكم عنها . 
وقوله : ( 
ويؤخركم إلى أجل مسمى  ) يقول : ويؤخر في آجالكم فلا يهلككم بالعذاب ، لا بغرق ولا غيره ( 
إلى أجل مسمى  ) يقول : إلى حين كتب أنه يبقيكم إليه ، إن أنتم أطعتموه وعبدتموه ، في أم الكتاب . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن عمرو ،  قال : ثنا 
أبو عاصم ،  قال : ثنا 
عيسى;  وحدثني 
الحارث ،  قال : ثنا 
الحسن ،  قال : ثنا 
ورقاء ،  جميعا عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد ،  في قول الله : ( 
إلى أجل مسمى  ) قال : ما قد خط من الأجل ، فإذا جاء أجل الله لا يؤخر  . 
وقوله : ( 
إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون  ) يقول تعالى ذكره :  
[ ص: 631 ] إن أجل الله الذي قد كتبه على خلقه في أم الكتاب إذا جاء عنده لا يؤخر عن ميقاته ، فينظر بعده ( 
لو كنتم تعلمون  ) يقول : لو علمتم أن ذلك كذلك ، لأنبتم إلى طاعة ربكم .