صفحة جزء
باب رجم المحصن وقال الحسن من زنى بأخته حده حد الزاني

6427 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا سلمة بن كهيل قال سمعت الشعبي يحدث عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله : ( باب رجم المحصن ) هو بفتح الصاد المهملة من الإحصان ، ويأتي بمعنى العفة والتزويج والإسلام والحرية ؛ لأن كلا منها يمنع المكلف من عمل الفاحشة ، قال ابن القطاع : رجل محصن بكسر الصاد على القياس وبفتحها [ ص: 120 ] على غير قياس .

قلت : يمكن تخريجه على القياس ، وهو أن المراد هنا من له زوجة عقد عليها ودخل بها وأصابها ، فكأن الذي زوجها له أو حمله على التزويج بها ولو كانت نفسه أحصنه أي جعله في حصن من العفة أو منعه من عمل الفاحشة .

وقال الراغب : يقال للمتزوجة محصنة أي أن زوجها أحصنها ، ويقال امرأة محصن بالكسر إذا تصور حصنها من نفسها ، وبالفتح إذا تصور حصنها من غيرها . ووقع هنا قبل الباب عند ابن بطال " كتاب الرجم " ولم يقع في الروايات المعتمدة .

قال ابن المنذر : أجمعوا على أنه لا يكون الإحصان بالنكاح الفاسد ولا الشبهة ، وخالفهم أبو ثور فقال : يكون محصنا ، واحتج بأن النكاح الفاسد يعطى أحكام الصحيح في تقدير المهر ووجوب العدة ولحوق الولد وتحريم الربيبة ، وأجيب بعموم " ادرءوا الحدود " قال : وأجمعوا على أنه لا يكون بمجرد العقد محصنا ، واختلفوا إذا دخل بها وادعى أنه لم يصبها .

قال : حتى تقوم البينة أو يوجد منه إقرار أو يعلم له منها واحد ، وعن بعض المالكية إذا زنى أحد الزوجين واختلفوا في الوطء لم يصدق الزاني ولو لم يمض لهما إلا ليلة ، وأما قبل الزنا فلا يكون محصنا ولو أقام معها ما أقام ، واختلفا إذا تزوج الحر أمة هل تحصنه؟ فقال الأكثر : نعم ، وعن عطاء والحسن وقتادة والثوري والكوفيين وأحمد وإسحاق : لا . واختلفوا إذا تزوج كتابية فقال إبراهيم وطاوس والشعبي : لا تحصنه ، وعن الحسن : لا تحصنه حتى يطأها في الإسلام ، أخرجهما ابن أبي شيبة .

وعن جابر بن زيد وابن المسيب تحصنه ، وبه قال عطاء وسعيد بن جبير .

وقال ابن بطال : أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدا عالما مختارا فعليه الرجم ، ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة واعتلوا بأن الرجم لم يذكر في القرآن ، وحكاه ابن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج ، واحتج الجمهور بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم وكذلك الأئمة بعده ، ولذلك أشار علي - رضي الله عنه - بقوله في أول أحاديث الباب : " ورجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " .

وثبت في صحيح مسلم عن عبادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، الثيب بالثيب الرجم وسيأتي في " باب رجم الحبلى من الزنا " من حديث عمر أنه خطب فقال : " إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه القرآن فكان مما أنزل آية الرجم " ، ويأتي الكلام عليه هناك مستوفى إن شاء الله تعالى .

قوله : ( وقال الحسن ) هو البصري كذا للأكثر ، وللكشميهني وحده " وقال منصور " بدل الحسن وزيفوه .

قوله : ( من زنى بأخته فحده حد الزاني ) في رواية الكشميهني " الزنا " وصله ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث قال سألت عمر : ما كان الحسن يقول فيمن تزوج ذات محرم وهو يعلم؟ قال : عليه الحد .

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق جابر بن زيد وهو أبو الشعثاء التابعي المشهور فيمن أتى ذات محرم منه قال : تضرب عنقه .

ووجه الدلالة من حديث علي أنه قال : " رجمتها بسنة رسول الله " فإنه لم يفرق بين ما إذا كان الزنا بمحرم أو بغير محرم .

وأشار البخاري إلى ضعف الخبر الذي ورد في قتل من زنى بذات محرم ، وهو ما رواه صالح بن راشد قال : أتي الحجاج برجل قد اغتصب أخته على نفسها ، فقال سلوا من هنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عبد الله بن المطرف : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من تخطى الحرمتين فخطوا وسطه بالسيف " ، فكتبوا إلى ابن عباس فكتب إليهم بمثله ؛ ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " ونقل عن أبيه أنه روى عن مطرف بن عبد الله بن الشخير من قوله ، قال : ولا أدري أهو هذا أو لا يشير إلى تجويز أن يكون الراوي غلط في قوله عبد الله بن مطرف وفي قوله سمعت . وإنما هو مطرف بن عبد الله ولا صحبة له .

وقال ابن عبد البر : يقولون إن الراوي غلط فيه ، وأثر مطرف الذي أشار إليه أبو حاتم أخرجه ابن أبي شيبة من طريق بكر بن عبد الله [ ص: 121 ] المزي قال : أتي الحجاج برجل قد وقع على ابنته وعنده مطرف بن عبد الله بن الشخير وأبو بردة ، فقال أحدهما : اضرب عنقه ، فضربت عنقه .

قلت : والراوي عن صالح بن راشد ضعيف وهو رفدة بكسر الراء وسكون الفاء ، ويوضح ضعفه قوله : " فكتبوا إلى ابن عباس " وابن عباس مات قبل أن يلي الحجاج الإمارة بأكثر من خمس سنين ، ولكن له طريق أخرى إلى ابن عباس أخرجها الطحاوي وضعف راويها ، وأشهر حديث في الباب حديث البراء : " لقيت خالي ومعه الراية فقال بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن اضرب عنقه " أخرجه أحمد وأصحاب السنن وفي سنده اختلاف كثير ، وله شاهد من طريق معاوية بن مرة عن أبيه أخرجه ابن ماجه والدارقطني ، وقد قال بظاهره أحمد . وحمله الجمهور على من استحل ذلك بعد العلم بتحريمه بقرينة الأمر بأخذ ماله وقسمته ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث .

قوله : ( حدثنا سلمة بن كهيل ) في رواية علي بن الجعد عن شعبة : عن سلمة ومجالد أخرجه الإسماعيلي ، وذكر الدارقطني أن قعنب بن محرز رواه عن وهب بن جرير عن شعبة عن سلمة عن مجالد ، وهو غلط والصواب سلمة ومجالد .

قوله : ( سمعت الشعبي عن علي ) أي يحدث عن علي ، قد طعن بعضهم كالحازمي في هذا الإسناد بأن الشعبي لم يسمعه من علي ، قال الإسماعيلي : رواه عصام بن يوسف عن شعبة فقال : " عن سلمة عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي " ، وكذا ذكر الدارقطني عن حسين بن محمد عن شعبة ، ووقع في رواية قعنب المذكورة عن الشعبي عن أبيه عن علي ، وجزم الدارقطني بأن الزيادة في الإسنادين وهم وبأن الشعبي سمع هذا الحديث من علي قال ولم يسمع عنه غيره .

قوله : ( حين رجم المرأة يوم الجمعة ) في رواية علي بن الجعد " أن عليا أتي بامرأة زنت فضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة " ، وكذا عند النسائي من طريق بهز بن أسد عن شعبة والدارقطني من طريق أبي حصين بفتح أوله عن الشعبي قال : " أتي علي بشراحة - وهي بضم الشين المعجمة وتخفيف الراء ثم حاء مهملة الهمدانية بسكون الميم - وقد فجرت ، فردها حتى ولدت وقال : ائتوني بأقرب النساء منها فأعطاها الولد ثم رجمها " .

ومن طريق حصين بالتصغير عن الشعبي قال : " أتي علي بمولاة لسعيد بن قيس فجرت ، وفي لفظ : وهي حبلى فضربها مائة ثم رجمها " ، وذكر ابن عبد البر أن في تفسير سند بن داود من طريق أخرى إلى الشعبي قال : " أتي علي بشراحة فقال لها : لعل رجلا استكرهك ، قالت : لا ، قال فلعله أتاك وأنت نائمة؟ قالت : لا . قال : لعل زوجك من عدونا؟ قالت : لا . فأمر بها فحبست ، فلما وضعت أخرجها يوم الخميس فجلدها مائة ثم ردها إلى الحبس ، فلما كان يوم الجمعة حفر لها ورجمها " .

ولعبد الرزاق من وجه آخر عن الشعبي : " أن عليا لما وضعت أمر لها بحفرة في السوق ثم قال : إن أولى الناس أن يرجم الإمام إذا كان بالاعتراف ، فإن كان الشهود فالشهود ثم رماها " .

قوله : ( رجمتها بسنة رسول الله ) زاد علي بن الجعد " وجلدتها بكتاب الله " زاد إسماعيل بن سالم في أوله عن الشعبي : " قيل لعلي جمعت حدين " فذكره . وفي رواية عبد الرزاق : " أجلدها بالقرآن وأرجمها بالسنة " .

قال الشعبي : وقال أبي بن كعب مثل ذلك ، قال الحازمي : ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن المنذر إلى أن الزاني [ ص: 122 ] المحصن يجلد ثم يرجم ، وقال الجمهور - وهي رواية عن أحمد أيضا - لا يجمع بينهما ، وذكروا أن حديث عبادة منسوخ يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ : " الثيب بالثيب جلد مائة والرجم " والبكر بالبكر جلد مائة والنفي ، والناسخ له ما ثبت في قصة ماعز أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجمه ولم يذكر الجلد .

قال الشافعي : فدلت السنة على أن الجلد ثابت على البكر وساقط عن الثيب ، والدليل على أن قصة ماعز متراخية عن حديث عبادة أن حديث عبادة ناسخ لما شرع أولا من حبس الزاني في البيوت فنسخ الحبس بالجلد وزيد الثيب الرجم ، وذلك صريح في حديث عبادة ، ثم نسخ الجلد في حق الثيب ، وذلك مأخوذ من الاقتصار في قصة ماعز على الرجم وذلك في قصة الغامدية والجهنية واليهوديين لم يذكر الجلد مع الرجم .

وقال ابن المنذر : عارض بعضهم الشافعي فقال : الجلد ثابت في كتاب الله والرجم ثابت بسنة رسول الله كما قال علي ، وقد ثبت الجمع بينهما في حديث عبادة وعمل به علي ووافقه أبي ، وليس في قصة ماعز ومن ذكر معه تصريح بسقوط الجلد عن المرجوم لاحتمال أن يكون ترك ذكره لوضوحه ولكونه الأصل فلا يرد ما وقع التصريح به بالاحتمال ، وقد احتج الشافعي بنظير هذا حين عورض إيجابه العمرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من سأله أن يحج على أبيه ولم يذكر العمرة ، فأجاب الشافعي بأن السكوت عن ذلك لا يدل على سقوطه ، قال فكذا ينبغي أن يجاب هنا .

قلت : وبهذا ألزم الطحاوي أيضا الشافعية ، ولهم أن ينفصلوا لكن في بعض طرقه : " حج عن أبيك واعتمر " كما تقدم بيانه في كتاب الحج ، فالتقصير في ترك ذكر العمرة من بعض الرواة ، وأما قصة ماعز فجاءت من طرق متنوعة بأسانيد مختلفة لم يذكر في شيء منها أنه جلد ، وكذلك الغامدية والجهنية وغيرهما ، وقال في ماعز " اذهبوا فارجموه " ، وكذا في حق غيره ولم يذكر الجلد ، فدل ترك ذكره على عدم وقوعه ودل عدم وقوعه على عدم وجوبه .

ومن المذاهب المستغربة ما حكاه ابن المنذر وابن حزم عن أبي بن كعب ، زاد ابن حزم : وأبي ذر وابن عبد البر عن مسروق أن الجمع بين الجلد والرجم خاص بالشيخ والشيخة ، وأما الشاب فيجلد إن لم يحصن ويرجم إن أحصن فقط ، وحجتهم في ذلك حديث الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة كما سيأتي بيانه في الكلام على حديث عمر في " باب رجم الحبلى من الزنا " ، وقال عياض : شذت فرقة من أهل الحديث فقالت : الجمع على الشيخ الثيب دون الشاب ولا أصل له .

وقال النووي : هو مذهب باطل ، كذا قاله ونفى أصله ، ووصفه بالبطلان إن كان المراد به طريقه فليس بجيد لأنه ثابت كما سأبينه في " باب البكران يجلدان " وإن كان المراد دليله ففيه نظر أيضا لأن الآية وردت بلفظ الشيخ ففهم هؤلاء من تخصيص الشيخ بذلك أن الشاب أعذر منه في الجملة ، فهو معنى مناسب وفيه جمع بين الأدلة فكيف يوصف بالبطلان ، واستدل به على جواز نسخ التلاوة دون الحكم .

وخالف في ذلك بعض المعتزلة واعتل بأن التلاوة مع حكمها كالعلم مع العالمية فلا ينفكان ، وأجيب بالمنع فإن العالمية لا تنافي قيام العلم بالذات ، سلمنا ، لكن التلاوة أمارة الحكم فيدل وجودها على ثبوته ولا دلالة من مجردها على وجوب الدوام فلا يلزم من انتفاء الأمارة في طرف الدوام انتفاء ما دلت عليه ، فإذا نسخت التلاوة ولم ينتف المدلول ، وكذلك بالعكس .

التالي السابق


الخدمات العلمية