صفحة جزء
4957 حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الرحمن بن غسيل عن حمزة بن أبي أسيد عن أبي أسيد رضي الله عنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجلسوا ها هنا ودخل وقد أتي بالجونية فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال هبي نفسك لي قالت وهل تهب الملكة نفسها للسوقة قال فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك فقال قد عذت بمعاذ ثم خرج علينا فقال يا أبا أسيد اكسها رازقيتين وألحقها بأهلها وقال الحسين بن الوليد النيسابوري عن عبد الرحمن عن عباس بن سهل عن أبيه وأبي أسيد قالا تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل فلما أدخلت عليه بسط يده إليها فكأنها كرهت ذلك فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير حدثنا عبد الرحمن عن حمزة عن أبيه وعن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه بهذا
قوله ( حدثنا عبد الرحمن بن غسيل ) كذا في رواية الأكثر بغير ألف ولام وفي رواية النسفي " ابن الغسيل " وهو أوجه ولعلها كانت ابن غسيل الملائكة فسقط لفظ الملائكة ، والألف واللام بدل الإضافة ، وعبد الرحمن ينسب إلى جد أبيه وهو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري ، وحنظلة هو غسيل الملائكة استشهد بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة وقصته مشهورة ، ووقع في رواية الجرجاني عبد الرحيم والصواب عبد الرحمن كما نبه عليه الجياني .

قوله ( إلى حائط يقال له الشوط ) بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة وقيل معجمة هو بستان في المدينة معروف .

قوله ( حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اجلسوا هـاهنا ودخل ) أي إلى الحائط . له رواية لابن سعد عن أبي أسيد قال " تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني الجون فأمرني أن آتيه بها فأتيته بها فأنزلتها بالشوط من وراء ذباب في أطم ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فخرج يمشي ونحن معه . وذباب بضم المعجمة وموحدتين مخففا جبل معروف بالمدينة ، والأطم الحصون وهو الأجم أيضا والجمع آطام وآجام كعنق وأعناق ، وفي رواية لابن سعد أن النعمان بن الجون الكندي أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما فقال : ألا أزوجك أجمل أيم في العرب ؟ فتزوجها وبعث معه أبا أسيد الساعدي ، قال أبو أسيد : فأنزلتها في بني ساعدة فدخل عليها نساء الحي فرحين بها وخرجن فذكرن من جمالها .

قوله ( فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ) هو بالتنوين في الكل ، وأميمة بالرفع إما بدلا عن الجونية وإما عطف بيان ، وظن بعض الشراح أنه بالإضافة فقال في الكلام على الرواية التي [ ص: 271 ] بعدها : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل ولعل التي نزلت في بيتها بنت أخيها ; وهو مردود فإن مخرج الطريقين واحد ، وإنما جاء الوهم من إعادة لفظ " في بيت " وقد رواه أبو بكر بن أبي قتيبة في مسنده عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فقال " في بيت في النخل أميمة إلخ " وجزم هشام بن الكلبي بأنها أسماء بنت النعمان بن شراحيل بن الأسود بن الجون الكندية ، وكذا جزم بتسميتها أسماء محمد بن إسحاق ومحمد بن حبيب وغيرهما ، فلعل اسمها أسماء ولقبها أميمة . ووقع في المغازي رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق " أسماء بنت كعب الجونية " فلعل في نسبها من اسمه كعب نسبها إليه ، وقيل هي أسماء بنت الأسود بن الحارث بن النعمان .

قوله ( ومعها دايتها حاضنة لها ) الداية بالتحتانية الظئر المرضع وهي معربة ، ولم أقف على تسمية هذه الحاضنة .

قوله ( هبي نفسك لي إلخ ) السوقة بضم السين المهملة يقال للواحد من الرعية والجمع ، قيل لهم ذلك لأن الملك يسوقهم فيساقون إليه ويصرفهم على مراده ، وأما أهل السوق فالواحد منهم سوقي ، قال ابن المنير : هذا من بقية ما كان فيها من الجاهلية ، والسوقة عندهم من ليس بملك كائنا من كان ، فكأنها استبعدت أن يتزوج الملكة من ليس بملك ، وكان صلى الله عليه وسلم قد خير أن يكون ملكا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا تواضعا منه صلى الله عليه وسلم لربه . ولم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بكلامها معذرة لها لقرب عهدها بجاهليتها ، وقال غيره يحتمل أنها لم تعرفه صلى الله عليه وسلم فخاطبته بذلك ، وسياق القصة من مجموع طرقها يأبى هذا الاحتمال ، نعم سيأتي في أواخر الأشربة من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد قال " ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب ، فأمر أبا أسيد الساعدي أن يرسل إليها فقدمت ، فنزلت في أجم بني ساعدة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء بها فدخل عليها فإذا امرأة منكسة رأسها ، فلما كلمها قالت : أعوذ بالله منك ، قال : لقد أعذتك مني . فقالوا لها أتدرين من هذا ؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبك ، قالت كنت أنا أشقى من ذلك . فإن كانت القصة واحدة فلا يكون قوله في حديث الباب ألحقها بأهلها ولا قوله في حديث عائشة الحقي بأهلك تطليقا ، ويتعين أنها لم تعرفه . وإن كانت القصة متعددة ولا مانع من ذلك فلعل هذه المرأة هي الكلابية التي وقع فيها الاضطراب . وقد ذكر ابن سعد بسند فيه العزرمي الضعيف عن ابن عمر قال " كان في نساء النبي صلى الله عليه وسلم سنا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب ، قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا أسيد الساعدي يخطب عليه امرأة من بني عامر يقال لها عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر ، قال ابن سعد : اختلف علينا اسم الكلابية فقيل فاطمة بنت الضحاك بن سفيان وقيل عمرة بنت يزيد بن عبيد وقيل سنا بنت سفيان بن عوف وقيل العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف ، فقال بعضهم هي واحدة اختلف في اسمها ، وقال بعضهم بل كن جمعا ولكن لكل واحدة منهن قصة غير قصة صاحبتها " . ثم ترجم الجونية فقال : أسماء بنت النعمان . ثم أخرج من طريق عبد الواحد بن أبي عون قال قدم النعمان بن أبي الجون الكندي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما فقال : يا رسول الله ألا أزوجك أجمل أيم في العرب ، كانت تحت ابن عم لها فتوفي وقد رغبت فيك ؟ قال : نعم . قال : فابعث من يحملها إليك . فبعث معه أبا أسيد الساعدي . قال أبو أسيد فأقمت ثلاثة أيام ثم تحملت معي في محفة فأقبلت بها حتى قدمت المدينة فأنزلتها في بني ساعدة ، ووجهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بني عمرو بن عوف فأخبرته الحديث . قال ابن أبي عون : وكان ذلك في ربيع الأول سنة تسع . ثم أخرج من [ ص: 272 ] طريق أخرى عن عمر بن الحكم عن أبي أسيد قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجونية فحملتها حتى نزلت بها في أطم بني ساعدة ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فخرج يمشي على رجليه حتى جاءها الحديث . ومن طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال : اسم الجونية أسماء بنت النعمان بن أبي الجون ، قيل لها استعيذي منه فإنه أحظى لك عنده ، وخدعت لما رئي من جمالها ، وذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حملها على ما قالت فقال : إنهن صواحب يوسف وكيدهن . فهذه تتنزل قصتها على حديث أبي حازم عن سهل بن سعد ، وأما القصة التي في حديث الباب من رواية عائشة فيمكن أن تنزل على هذه أيضا فإنه ليس فيها إلا الاستعاذة ، والقصة التي في حديث أبي أسيد فيها أشياء مغايرة لهذه القصة ، فيقوى التعدد ، ويقوى أن التي في حديث أبي أسيد اسمها أميمة والتي في حديث سهل اسمها أسماء والله أعلم . وأميمة كان قد عقد عليها ثم فارقها وهذه لم يعقد عليها بل جاء ليخطبها فقط .

قوله ( فأهوى بيده ) أي أمالها إليها . ووقع في رواية ابن سعد " فأهوى إليها ليقبلها ، وكان إذا اختلى النساء أقعى وقبل " وفي رواية لابن سعد " فدخل عليها داخل من النساء وكانت من أجمل النساء فقالت : إنك من الملوك فإن كنت تريدين أن تحظي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا جاءك فاستعيذي منه " ووقع عنده عن هشام بن محمد عن عبد الرحمن بن الغسيل بإسناد حديث الباب " إن عائشة وحفصة دخلتا عليها أول ما قدمت فمشطتاها وخضبتاها ، وقالت لها إحداهما : إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول أعوذ بالله منك " .

قوله ( فقال : قد عذت بمعاذ ) هو بفتح الميم ما يستعاذ به ، أو اسم مكان العوذ ، والتنوين فيه للتعظيم . وفي رواية ابن سعد " فقال بكمه على وجهه وقال : عذت معاذا . ثلاث مرات " وفي أخرى له " فقال آمن عائذ الله " .

قوله ( ثم خرج علينا فقال : يا أبا أسيد اكسها رازقيين ) براء ثم زاي ثم قاف بالتثنية صفة موصوف محذوف للعلم به ، والرازقية ثياب من كتان بيض طوال قاله أبو عبيدة . وقال غيره . يكون في داخل بياضها زرقة ، والرازقي الصفيق . قال ابن التين : متعها بذلك إما وجوبا وإما تفضلا . قلت : وسيأتي حكم المتعة في كتاب النفقات .

قوله ( وألحقها بأهلها ) قال ابن بطال : ليس في هذا أنه واجهها بالطلاق . وتعقبه ابن المنير بأن ذلك ثبت في حديث عائشة أول أحاديث الباب ، فيحمل على أنه قال لها الحقي بأهلك ، ثم لما خرج إلى أبي أسيد قال له ألحقها بأهلها ، فلا منافاة ، فالأول قصد به الطلاق والثاني أراد به حقيقة اللفظ وهو أن يعيدها إلى أهلها ، لأن أبا أسيد هو الذي كان أحضرها كما ذكرناه . ووقع في رواية لابن سعد عن أبي أسيد قال " فأمرني فرددتها إلى قومها " وفي أخرى له " فلما وصلت بها تصايحوا وقالوا : إنك لغير مباركة ، فما دهاك ؟ قالت : خدعت . قال فتوفيت في خلافة عثمان " . قال " وحدثني هشام بن محمد عن أبي خيثمة زهير بن معاوية أنها ماتت كمدا " ثم روي بسند فيه الكلبي " أن المهاجر بن أبي أمية تزوجها ، فأراد عمر معاقبتها فقالت : ما ضرب علي الحجاب ، ولا سميت أم المؤمنين . فكف عنها " وعن الواقدي : سمعت من يقول إن عكرمة بن أبي جهل خلف عليها ، قال : وليس ذلك بثبت . ولعل ابن بطال أراد أنه لم يواجهها بلفظ الطلاق . وقد أخرج ابن سعد من طريق [ ص: 273 ] هشام بن عروة عن أبيه أن الوليد بن عبد الملك كتب إليه يسأله ، فكتب إليه : ما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم كندية إلا أخت بني الجون فملكها . فلما قدمت المدينة نظر إليها فطلقها ولم يبن بها . فقوله فطلقها يحتمل أن يكون باللفظ المذكور قبل ويحتمل أن يكون واجهها بلفظ الطلاق ، ولعل هذا هـو السر في إيراد الترجمة بلفظ الاستفهام دون بت الحكم . واعترض بعضهم بأنه لم يتزوجها إذ لم يجر ذكر صورة العقد ، وامتنعت أن تهب له نفسها فكيف يطلقها ؟ والجواب أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يزوج من نفسه بغير إذن المرأة وبغير إذن وليها ، فكان مجرد إرساله إليها وإحضارها ورغبته فيها كافيا في ذلك ، ويكون قوله " هبي لي نفسك " تطييبا لخاطرها واستمالة لقلبها ، ويؤيده قوله في رواية لابن سعد " إنه اتفق مع أبيها على مقدار صداقها ، وأن أباها قال له : إنها رغبت فيك وخطبت إليك " .

قوله ( وقال الحسين بن الوليد النيسابوري عن عبد الرحمن ) هو ابن الغسيل ( عن عباس بن سهل عن أبيه وأبي أسيد ) هذا التعليق وصله أبو نعيم في " المستخرج " من طريق أبي أحمد الفراء عن الحسين ، ومراد البخاري منه أن الحسين بن الوليد شارك أبا نعيم في روايته لهذا الحديث عن عبد الرحمن بن الغسيل ، لكن اختلفا في شيخ عبد الرحمن فقال أبو نعيم حمزة وقال الحسين عباس بن سهل ، ثم ساقه من طريق ثالثة عن عبد الرحمن فبين أنه عند عبد الرحمن بالإسنادين ، لكن طريق أبي أسيد عن حمزة ابنه عنه وطريق سهل بن سعد عن عباس ابنه عنه ، وكأن حمزة حذف في رواية الحسين بن الوليد فصار الحديث من رواية عباس بن سهل عن أبي أسيد وليس كذلك ، والتحرير ما وقع في الرواية الثالثة وهي رواية إبراهيم بن أبي الوزير واسم أبي الوزير عمر بن مطرف ، وهو حجازي نزل البصرة ، وقد أدركه البخاري ولم يلقه فحدث عنه بواسطة ، وذكره في تاريخه فقال : مات بعد أبي عاصم سنة اثنتي عشرة ، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع ، وقد وافقه على إقامة إسناده أبو أحمد الزبيري أخرجه أحمد في مسنده عنه .

" تنبيهان " :

الأول قال القاضي عياض في أوائل كتاب الجهاد من " شرح مسلم " قال البخاري في تاريخه : الحسين بن الوليد بن علي النيسابوري القرشي مات سنة ثلاث ومائتين ، ولم يذكر في باب الحسن مكبرا من اسمه الحسن بن الوليد ، وذكر في صحيحه في كتاب الطلاق الحسن بن الوليد النيسابوري عن عبد الرحمن عن عباس بن سهل عن أبيه وأبي أسيد " تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل " كذا ذكره مكبرا . قلت : لم أره في شيء من النسخ المعتمدة من البخاري إلا مصغرا ، ويؤيده اقتصاره عليه في تاريخه والله أعلم .

الثاني وقع في رواية أبي أحمد الجرجاني في السند الأول " عن حمزة بن أبي أسيد عن عباس بن سهل عن أبيه " وهو خطأ سقطت الواو من قوله " وعن عباس " وقد ثبتت عند جميع الرواة ، وفي الحديث أن من قال لامرأته الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت ، فإن لم يرد الطلاق لم تطلق على ما وقع في حديث كعب بن مالك الطويل في قصة توبته " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل إليه أن يعتزل امرأته قال لها الحقي بأهلك فكوني فيهم حتى يقضي الله هذا الأمر " وقد مضى الكلام عليه مستوفى في شرحه .

التالي السابق


الخدمات العلمية