صفحة جزء
باب في الشرب قائما

3717 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائما
( نهى أن يشرب الرجل قائما ) قال النووي في شرح مسلم : وفي رواية : زجر عن الشرب قائما .

وفي حديث أبي هريرة : لا يشربن أحدكم قائما فمن نسي فليستقئ . وعن ابن عباس : سقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زمزم فشرب وهو قائم .

[ ص: 146 ] وفي أخرى : أنه - صلى الله عليه وسلم - شرب من زمزم وهو قائم . وروي أن عليا - رضي الله عنه - شرب قائما الحديث .

[ هذا هو الحديث الثاني من الباب ] .

قال : وقد أشكل على بعضهم وجه التوفيق بين هذه الأحاديث وأولوا فيها بما لا جدوى في نقله ، والصواب فيها أن النهي محمول على كراهة التنزيه ، وأما شربه قائما فبيان للجواز ، وأما من زعم النسخ أو الضعف فقد غلط غلطا فاحشا ، وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بينهما لو ثبت التاريخ؟ وأنى له بذلك وإلى القول بالضعف مع صحة الكل .

قلت : وكذلك سلك آخرون في الجمع بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه ، وأحاديث الجواز على بيانه ، وهي طريقة الخطابي وابن بطال في آخرين .

قال الحافظ : وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض .

وقال الحافظ ابن القيم في حاشية السنن : وقد خرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زجر عن الشرب قائما .

[ ص: 147 ] وفيه أيضا عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يشربن أحد منكم قائما فمن نسي فليستقئ

وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : سقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زمزم فشرب وهو قائم .

وفي لفظ آخر : " فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير
" .

فاختلف في هذه الأحاديث فقوم سلكوا بها مسلك النسخ وقالوا : آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشرب قائما ، كما شرب في حجة الوداع ، وقالت طائفة في ثبوت النسخ بذلك نظر ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعله شرب قائما لعذر ، وقد حلف عكرمة أنه كان حينئذ راكبا . وحديث علي قصة عين فلا عموم لها .

وقد روى الترمذي عن عبد الرحمن بن أبي عمر عن جدته كبشة قالت : " دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت قربة معلقة فشرب قائما فقمت إلى فيها فقطعته " وقال الترمذي حديث صحيح ، وأخرجه ابن ماجه ، وروى أحمد في مسنده عن أم سليم قالت : " دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت قربة معلقة فشرب منها وهو قائم فقطعت فاها فإنه لعندي " فدلت هذه الوقائع على أن الشرب منها قائما كان لحاجة لكون القربة معلقة ، وكذلك شربه من زمزم أيضا لعله لم يتمكن من القعود لضيق الموضع أو الزحام وغيرها ، والجملة فالنسخ لا يثبت بمثل ذلك .

وأما حديث ابن عمر : " كنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نأكل ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام " رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه ، فلا يدل على النسخ إلا بعد ثلاثة أمور : مقاومته لأحاديث النهي في الصحة ، وبلوغ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتأخره عن أحاديث النهي ، وبعد ذلك فهو حكاية فعل لا عموم لها ، فإثبات النسخ في هذا عسر ، انتهى كلامه .

وقال في زاد المعاد : وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - الشرب قاعدا . هذا كان هديه المعتاد . وصح عنه أنه نهى عن الشرب قائما ، وصح عنه أنه أمر الذي شرب قائما أن يستقيء ، وصح عنه أنه شرب قائما .

قالت طائفة : هذا ناسخ للنهي ، وقالت طائفة : بل مبين أن النهي ليس للتحريم ، بل للإرشاد وترك الأولى .

[ ص: 148 ] وقالت طائفة : لا تعارض بينهما أصلا ، فإنه إنما شرب قائما للحاجة ، فإنه جاء إلى زمزم وهم يسقون منها فاستقى فناولوه الدلو فشرب وهو قائم ، هذا كان موضع حاجة .

وللشرب قائما آفات عديدة : منها أنه لا يحصل له الري التام ، ولا يستقر في المعدة حتى يقسمه الكبد على الأعضاء ، وينزل بسرعة وحدة إلى المعدة ، فيخشى منه أن يبرد حرارتها وتشوشها وتسرع النفوذ إلى أسفل البدن بغير تدريج ، وكل هذا يضر بالشارب ، وأما إذا فعله نادرا أو لحاجة لم يضره ، انتهى .

وأخرج مالك في الموطأ أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان كانوا يشربون قياما .

وقال مالك عن ابن شهاب إن عائشة أم المؤمنين وسعد بن أبي وقاص كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأسا .

قال مالك عن أبي جعفر القاري إنه قال : رأيت عبد الله بن عمر يشرب قائما . ومالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان يشرب قائما ، انتهى .

قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه بنحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية