صفحة جزء
باب ما يقول إذا دخل الخلاء

5 حدثنا قتيبة وهناد قالا حدثنا وكيع عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك قال شعبة وقد قال مرة أخرى أعوذ بك من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث قال أبو عيسى وفي الباب عن علي وزيد بن أرقم وجابر وابن مسعود قال أبو عيسى حديث أنس أصح شيء في هذا الباب وأحسن وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة فقال سعيد عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم وقال هشام الدستوائي عن قتادة عن زيد بن أرقم ورواه شعبة ومعمر عن قتادة عن النضر بن أنس فقال شعبة عن زيد بن أرقم وقال معمر عن النضر بن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى سألت محمدا عن هذا فقال يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعا
( باب ما يقول إذا دخل الخلاء ) بفتح الخاء والمد أي موضع قضاء الحاجة سمي به لخلائه في [ ص: 36 ] غير أوقات قضاء الحاجة ، وهو الكنيف والحش والمرفق والمرحاض أيضا ، وأصله المكان الخالي ثم كثر استعماله حتى تجوز به عن ذلك ، قاله العيني .

قوله : ( حدثنا قتيبة وهناد قالا نا وكيع ) تقدم تراجم هؤلاء ( عن شعبة ) ابن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم ، أبو بسطام الواسطي ثم البصري ، ثقة حافظ متقن ، كان الثوري يقول هو أمير المؤمنين في الحديث ، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة ، وكان عابدا ، كذا في التقريب . وقال أحمد بن حنبل كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن يعني في الرجال وبصره بالحديث ، وقال الشافعي : لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق ، ولد شعبة سنة 82 ثنتين وثمانين ، ومات سنة 160 ستين ومائة . كذا في تذكرة الحفاظ ( عبد العزيز بن صهيب ) البناني ، بنانة بن سعد بن لؤي بن غالب مولاهم البصري عن أنس وشهر ، وعنه شعبة والحمادان ، وثقه أحمد ، قال ابن قانع مات سنة 130 ثلاثين ومائة ( عن أنس بن مالك ) ابن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خدمه عشر سنين ، صحابي مشهور مات سنة 92 ، 93 اثنتين وقيل ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة .

قوله : ( إذا دخل الخلاء ) أي موضع قضاء الحاجة ، وفي الأدب المفرد للبخاري من طريق سعيد بن زيد عن عبد العزيز عن أنس ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء . وأفادت هذه الرواية تبيين المراد من قوله إذا دخل الخلاء ، أي كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول لا بعده ، قال الحافظ في الفتح : الكلام هاهنا في مقامين :

الأول : هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في حديث زيد بن أرقم في السنن ، أو يشمل حتى لو بال في إناء مثلا في جانب البيت؟ الأصح الثاني ما لم يشرع في قضاء الحاجة .

المقام الثاني : متى يقول ذلك؟ فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة يفصل ، أما في الأمكنة المعدة لذلك فيقول قبيل دخولها ، وأما في غيرها فيقوله في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلا ، وهذا مذهب الجمهور ، وقالوا في من نسي يستعيذ بقلبه لا بلسانه ، ومن يجيز مطلقا لا يحتاج إلى [ ص: 37 ] تفصيل . انتهى كلام الحافظ .

قلت : القول الراجح المنصور هو ما ذهب إليه الجمهور .

( قال اللهم إني أعوذ بك ) أي ألوذ وألتجئ ، قال ابن الأثير : عذت به عوذا ومعاذا ، أي لجأت إليه والمعاذ المصدر والمكان والزمان ( قال شعبة وقد قال ) أي عبد العزيز ( مرة أخرى أعوذ بالله ) أي مكان اللهم إني أعوذ بك ، يعني قال عبد العزيز مرة : اللهم إني أعوذ بك وقال مرة أخرى أعوذ بالله ، قال العيني في عمدة القاري : وقد وقع في رواية وهب : فليتعوذ بالله ، وهو يشمل كل ما يأتي به من أنواع الاستعاذة من قوله أعوذ بك ، أستعيذ بك ، أعوذ بالله ، أستعيذ بالله ، اللهم إني أعوذ بك ، ونحو ذلك من أشباه ذلك . انتهى . قلت : والأولى أن يختار من أنواع الاستعاذة ما جاء في الحديث ، وقد ثبت زيادة بسم الله مع التعوذ ، فروى العمري حديث الباب بلفظ إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث ، قال الحافظ في الفتح : إسناده على شرط مسلم ( من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث ) قال الحافظ في فتح الباري : وقع في رواية الترمذي وغيره أعوذ بالله من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث ، هكذا على الشك : الأول بالإسكان مع الإفراد والثاني بالتحريك مع الجمع ، أي من الشيء المكروه ومن الشيء المذموم أو من ذكران الشياطين وإناثهم . انتهى كلام الحافظ . قلت : وجاء في رواية صحيح البخاري وعامة الروايات : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ، من غير شك ، قال الحافظ تحت هذه الرواية : الخبث بضم المعجمة والموحدة كذا في الرواية ، وقال الخطابي إنه لا يجوز غيره ، وتعقب بأنه يجوز إسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه ، ككتب وكتب ، قال النووي : وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة ، منهم أبو عبيدة ، إلا أن يقال إن ترك التخفيف أولى لئلا يشبه بالمصدر . والخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة ، يريد ذكران الشياطين وإناثهم ، قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما . ووقع في نسخة ابن عساكر : قال أبو عبد الله أي البخاري : ويقال الخبث أي بإسكان الموحدة ، فإن كانت مخففة عن المحركة فقد تقدم توجيهه ، وإن كانت بمعنى المفرد فمعناه كما قال ابن الأعرابي المكروه ، قال : فإن كان من الكلام فهو الشتم ، وإن كان من الملل فهو الكفر ، وإن كان من الطعام فهو الحرام ، وإن كان من الشراب فهو الضار ، وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب ، ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره إلى آخر ما نقلت عبارته آنفا .

قوله : ( وفي الباب عن علي وزيد بن أرقم وجابر وابن مسعود ) أما حديث علي فأخرجه الترمذي [ ص: 38 ] وابن ماجه ، وأما حديث زيد بن أرقم فأخرجه أبو داود وابن ماجه ، وأما حديث جابر فلم أقف عليه ، وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الإسماعيلي في معجمه - قال العيني بإسناد جيد - : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الغائط قال أعوذ بالله من الخبث والخبائث .

قوله : ( وحديث أنس أصح شيء في هذا الباب وأحسن ) وأخرجه الشيخان وغيرهما .

قوله : ( وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب ) يعني روى بعض رواته على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له ( روى هشام الدستوائي إلخ ) هذا بيان الاضطراب ، والدستوائي منسوب إلى دستواء بفتح الدال كورة من الأهواز أو قرية ، كذا في المغني ، وتوضيح الاضطراب على ما في غاية المقصود للعلامة أبي الطيب غفر الله له : أن هشاما وسعيد بن أبي عروبة وشعبة ومعمرا كلهم يروون عن قتادة على اختلاف بينهم ، فروى سعيد عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم ، وروى هشام عن قتادة عن زيد بن أرقم ، فبين قتادة وزيد بن أرقم واسطة القاسم في رواية سعيد ، وليست هي في رواية هشام ، وروى شعبة ومعمر عن قتادة عن النضر بن أنس ، ثم اختلف فروى شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم ، وروى معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبيه ، فالاضطراب في موضعين :

الأول في شيخ قتادة ففي رواية سعيد أن قتادة يرويه عن القاسم عن زيد بن أرقم ، وفي رواية هشام أنه يرويه عن زيد بن أرقم ، وفي رواية شعبة أنه يرويه عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم .

والثاني : في شيخ النضر بن أنس ، ففي رواية شعبة أن النضر يرويه عن زيد بن أرقم وفي رواية معمر أنه يرويه عن أبيه . انتهى ما في غاية المقصود .

( قال أبو عيسى : سألت محمدا ) يعني [ ص: 39 ] البخاري ( عن هذا ) أي عن هذا الاضطراب ( فقال يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعا ) قال العلامة أبو الطيب في غاية المقصود : أي يحتمل أن يكون قتادة سمع من القاسم والنضر بن أنس ، كما صرح به البيهقي . وأخطأ من أرجع الضمير من محشي الترمذي إلى زيد بن أرقم والنضر بن أنس . انتهى . قلت : الأمر كما قال أبو الطيب إرجاع ضمير عنهما إلى القاسم والنضر بن أنس هو الحق ، وأما إرجاعه إلى زيد بن أرقم والنضر بن أنس فخطأ ، قال العلامة العيني في عمدة القاري شرح البخاري : قال الترمذي حديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب وأشار إلى اختلاف الرواية فيه ، وسأل الترمذي البخاري عنه فقال : لعل قتادة سمعه من قاسم بن عوف الشيباني والنضر بن أنس عن أنس ولم يقض فيه بشيء . انتهى كلام العيني . وروى أبو داود في سننه حديث زيد بن أرقم هكذا : حدثنا عمرو بن مرزوق أنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ ، قال السيوطي : قوله أنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس إلخ قال البيهقي في سننه هكذا : رواه معمر عن قتادة وابن علية وأبو الجماهر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، ورواه يزيد بن زريع وجماعة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم ، قال أبو عيسى : قلت لمحمد يعني البخاري أي الروايات عندكم أصح؟ فقال : لعل قتادة سمع منهما جميعا عن زيد بن أرقم ولم يقض في هذا بشيء ، وقال البيهقي : وقيل عن معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس وهو وهم . انتهى . فثبت من هذا كله أن إرجاع ضمير عنهما إلى القاسم والنضر بن أنس هو الحق والصواب .

تنبيه : قول البخاري المذكور في كلام العيني " لعل قتادة سمعه من القاسم بن عوف الشيباني والنضر بن أنس عن أنس " مخالف لقوله المذكور في كلام البيهقي بلفظ " لعل قتادة سمع منهما جميعا عن زيد بن أرقم ، والظاهر عندي أن لفظ عن أنس المذكور في كلام العيني سهو من الناسخ فتأمل " .

فإن قلت لا يندفع الاضطراب من كل وجه بقول البخاري ، فيحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعا .

قلت نعم . إلا أن يقال إن قتادة روى عنهما عن زيد بن أرقم ، وروى عن زيد بن أرقم من [ ص: 40 ] غير واسطة ، وأما رواية معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبيه فوهم كما صرح به البيهقي ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية