صفحة جزء
باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد

570 حدثنا نصر بن علي حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن مجاهد قال كنا عند ابن عمر فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد فقال ابنه والله لا نأذن لهن يتخذنه دغلا فقال فعل الله بك وفعل أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول لا نأذن لهن قال وفي الباب عن أبي هريرة وزينب امرأة عبد الله بن مسعود وزيد بن خالد قال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث حسن صحيح
قوله : ( أخبرنا عيسى بن يونس ) بن أبي إسحاق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة أخو إسرائيل كوفي نزل الشام من إبطا ، ثقة مأمون . قوله : ( ايذنوا ) بصيغة الأمر من الإذن وكأن أصله ائذنوا فأبدلت الهمزة الثانية بالياء ( بالليل ) خص الليل بالذكر لما فيه من الستر بالظلمة ( فقال ابنه ) أي بلال أو واقد . قال المنذري : وابن عبد الله بن عمر هذا هو بلال بن عبد الله بن عمر جاء مبينا في صحيح مسلم وغيره ، وقيل : هو ابنه واقد بن عبد الله بن عمر ذكره مسلم في صحيحه أيضا .

وقد حقق الحافظ في الفتح أن الراجح أن صاحب القصة بلال ( والله لا نأذن لهن ) أي للخروج إلى المساجد ( يتخذنه دغلا ) بفتح المهملة ثم المعجمة ، وأصله الشجر الملتف ثم استعمل في المخادعة لكون المخادع [ ص: 130 ] يلف في ضميره أمرا ويظهر غيره ، وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت وحملته على ذلك الغيرة ( فقال ) أي : ابن عمر ( فعل الله بك وفعل ) وفي رواية بلال عند مسلم : فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته يسبه مثله قط . وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبراني السب المذكور باللعن ثلاث مرات ، وفي رواية زائدة عن الأعمش فانتهره وقال : أف لك وإنما أنكر عليه ابن عمر بمخالفة الحديث . وأخذ منه تأديب المعترض على السنن برأيه ، وعلى العالم بهواه ، وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرا إذا تكلم بما لا ينبغي له ، وجواز التأديب بالهجران . فقد وقع في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد : فما كلمه عبد الله حتى مات . وهذا إن كان محفوظا يحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة ، كذا في الفتح .

قوله : ( وفي الباب عن أبى هريرة وزينب امرأة عبد الله بن مسعود وزيد بن خالد ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد وأبو داود مرفوعا بلفظ : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات ، وأخرجه أيضا ابن خزيمة . وأما حديث زينب فأخرجه مسلم بلفظ : " إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا " . وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه ابن حبان بمثل حديث أبي هريرة .

قوله : ( حديث ابن عمر حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري مختصرا ومسلم مطولا .

فائدة : اعلم أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ، ومع هذا لو استأذنت للصلاة إلى المسجد لا تمنع ، بل تؤذن لكن لا مطلقا بل بشروط قد وردت في الأحاديث . قال النووي في شرح مسلم : قوله -صلى الله عليه وسلم- : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث ، وهي أن لا تكون مطيبة ولا متزينة ، ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ، ولا مختلطة بالرجال ، ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها ، وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها . وهذا النهي عن منعهن من الخروج محمول على التنزيه إذا كانت المرأة ذات زوج أو سيد ووجدت الشروط المذكورة ، فإن لم يكن لها زوج ولا سيد حرم المنع إذا وجدت الشروط ، انتهى كلام النووي .

[ ص: 131 ] وقال الحافظ في الفتح : قال ابن دقيق العيد : هذا الحديث عام في النساء إلا أن الفقهاء خصوه بشروط ، منها : أن لا تطيب وهو في بعض الروايات : " وليخرجن تفلات " ، أي : غير متطيبات ، ولمسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود : " إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا " ، قال : ويلحق بالطيب ما في معناه ؛ لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة ، وكذا الاختلاط بالرجال .

وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها ، وفيه نظر ، إلا إن أخذ الخوف عليها من جهتها ؛ لأنها إذا عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الأمن عليها ، ولا سيما إذا كان ذلك بالليل . وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ، فعند أبي داود عن ابن عمر : " لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " ، وصححه ابن خزيمة ، وعند أحمد والطبراني عن أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت : يا رسول الله ، إني أحب الصلاة معك ، قال : " قد علمت ، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة " وإسناد أحمد حسن ، انتهى ما في الفتح مختصرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية