صفحة جزء
باب ما ذكر في الاغتسال عندما يسلم الرجل

605 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين عن قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر قال وفي الباب عن أبي هريرة قال أبو عيسى هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه والعمل عليه عند أهل العلم يستحبون للرجل إذا أسلم أن يغتسل ويغسل ثيابه
قوله : ( أخبرنا سفيان ) هو الثوري ( عن الأغر ) بفتح الغين المعجمة بعدها راء مشددة ( بن الصباح ) بالموحدة المشددة بعد الصاد ، التميمي المنقري ، مولاهم الكوفي روى عن أبي نضرة وغيره ، وعنه الثوري وغيره ثقة ، وثقه يحيى بن معين والنسائي ( عن خليفة بن حصين ) بن قيس بن عاصم التميمي المنقري عن جده قيس بن عاصم وعلي بن أبي طالب ، وعنه الأغر المنقري ، وثقه النسائي ( عن قيس بن عاصم ) بن سنان بن خالد المنقري ، صحابي مشهور بالحلم .

قوله : ( فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل بماء وسدر ) فيه دليل على مشروعية الغسل لمن أسلم ، فذهب بعض أهل العلم إلى وجوبه ، وذهب الأكثرون إلى الاستحباب .

قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة ) أخرجه أحمد بلفظ : أن ثمامة أسلم فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن " يغتسل " ، وأخرجه أيضا عبد الرزاق والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان وأصله في الصحيحين وليس فيهما الأمر بالاغتسال وإنما فيهما أنه اغتسل ، كذا في النيل .

قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وابن حبان وابن خزيمة [ ص: 183 ] وصححه ابن السكن كذا في النيل ، وسكت عنه أبو داود وذكر المنذري تحسين الترمذي وأقره .

قوله : ( والعمل عليه عند أهل العلم يستحبون للرجل إذا أسلم أن يغتسل ) قال الخطابي : هذا الغسل عند أكثر أهل العلم على الاستحباب لا على الإيجاب ، وقال الشافعي : إذا أسلم الكافر أحب له أن يغتسل ، فإن لم يفعل ولم يكن جنبا أجزأه أن يتوضأ ويصلي . وكان أحمد بن حنبل وأبو ثور يوجبان الاغتسال إذا أسلم قولا بظاهر الحديث ، وقالوا : لا يخلو المشرك في أيام كفره من جماع أو احتلام وهو لا يغتسل ، ولو اغتسل لم يصح ذلك منه ؛ لأن الاغتسال من الجنابة فرض من فروض الدين ، وهو لا يجزيه إلا بعد الإيمان كالصلاة والزكاة ونحوها . وكان مالك يرى أن يغتسل الكافر إذا أسلم ، انتهى كلام الخطابي .

قلت : واستدل من قال بالاستحباب إلا لمن أجنب بأنه لم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- كل من أسلم بالغسل ، ولو كان واجبا لما خص بالأمر به بعضا دون بعض ، فيكون ذلك قرينة تصرف الأمر إلى الندب . وأما وجوبه على المجنب فللأدلة القاضية بوجوبها لأنها لم تفرق بين كافر ومسلم . واحتج القائل بالاستحباب مطلقا لعدم وجوبه على المجنب بحديث : الإسلام يجب ما قبله .

قال القاضي الشوكاني : والظاهر الوجوب ؛ لأن أمر البعض قد وقع به التبليغ ، ودعوى عدم الأمر لمن عداهم لا يصلح متمسكا ؛ لأن غاية ما فيها عدم العلم بذلك وهو ليس علما بالعدم انتهى ( ويغسل ثيابه ) وإن كان عليه شعر الكفر يحلق ويختتن . لما رواه أبو داود عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : قد أسلمت فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- : " ألق عنك شعر الكفر " ، يقول : احلق ، قال : وأخبرني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لآخر معه : " ألق عنك شعر الكفر واختتن " انتهى ، لكن الحديث ضعيف .

قال المنذري : قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : كليب والد عثيم بصري روى عن أبيه ، مرسل هذا آخر كلامه ، وفيه أيضا رواية مجهول . انتهى كلام المنذري . والمراد بشعر الكفر الشعر الذي هو للكفار علامة لكفرها ، وهي مختلفة الهيئة في البلاد المختلفة . فكفرة الهند ومصر لهم في موضع من الرأس شعور طويلة لا يتعرضون لها بشيء من الجز أو الحلق أبدا . وإذا يريدون حلق الرأس يحلقون كله إلا ذلك المقدار .

[ ص: 184 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية