صفحة جزء
باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك

686 حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحق عن صلة بن زفر قال كنا عند عمار بن ياسر فأتي بشاة مصلية فقال كلوا فتنحى بعض القوم فقال إني صائم فقال عمار من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال وفي الباب عن أبي هريرة وأنس قال أبو عيسى حديث عمار حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق كرهوا أن يصوم الرجل اليوم الذي يشك فيه ورأى أكثرهم إن صامه فكان من شهر رمضان أن يقضي يوما مكانه
قوله : ( أخبرنا أبو خالد الأحمر ) اسمه سليمان بن حيان الأزدي الكوفي ، صدوق يخطئ من الثامنة ( عن صلة بن زفر ) بكسر الصاد المهملة وتخفيف اللام المفتوحة ، وزفر بالزاي والفاء على وزن عمر كوفي عبسي من كبار التابعين وفضلائهم .

قوله : ( كنا عند عمار بن ياسر ) صحابي جليل مشهور من السابقين الأولين بدري قتل مع علي بصفين سنة سبع وثلاثين ( مصلية ) أي مشوية ( فتنحى بعض القوم ) أي اعتزل ( فقال ) أي بعض القوم الذي اعتزل واحترز عن أكلها ( من صام اليوم الذي شك فيه ) وفي بعض النسخ يشك فيه ، وذكر البخاري هذا الحديث في صحيحه تعليقا بلفظ : من صام يوم الشك والمراد من اليوم الذي يشك فيه يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال في ليلته بغيم ساتر أو نحوه ، فيجوز كونه من رمضان وكونه من شعبان ( فقد عصى أبا القاسم ) هو كنية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قيل فائدة تخصيص ذكر هذه الكنية الإشارة إلى أنه هو الذي يقسم بين عباد الله أحكامه زمانا ومكانا وغير ذلك . قال الحافظ في فتح الباري : استدل به على تحريم يوم الشك ؛ لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه فيكون من قبيل المرفوع . قال ابن عبد البر : هو مسند عندهم لا يختلفون في ذلك ، وخالفهم الجوهري المالكي فقال : هو موقوف ، والجواب ، أنه موقوف لفظا مرفوع حكما ، انتهى .

قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة ) أخرجه البزار بلفظ : نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيام ستة أيام ؛ أحدها اليوم الذي يشك فيه وفي إسناده عبد الله بن سعيد المقبري عن جده وهو ضعيف ، وأخرجه أيضا الدارقطني وفي إسناده الواقدي ، وأخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده عباد وهو عبد الله بن سعيد المقبري المتقدم وهو منكر الحديث كما قال أحمد بن حنبل ، كذا في [ ص: 298 ] النيل ( وأنس ) لم أقف على من أخرجه .

قوله : ( حديث عمار حديث حسن صحيح ) وأخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة وصححاه والحاكم والدارقطني والبيهقي . قال العراقي في شرح الترمذي : جمع الصاغاني في تصنيف له الأحاديث الموضوعة فذكر فيه حديث عمار المذكور وما أدري ما وجه الحكم عليه بالوضع وليس في إسناده من يتهم بالكذب وكلهم ثقات وقال : وقد كتبت على الكتاب المذكور كراسة في الرد عليه في أحاديث منها هذا الحديث ، قال : نعم في اتصاله نظر ، فقد ذكر المزي في الأطراف أنه روى عن أبي إسحاق السبيعي أنه قال : حدثت عن صلة بن زفر لكن جزم البخاري بصحته إلى صلة فقال في صحيحه : وقال صلة ، وهذا يقتضي صحته عنده ، وقال البيهقي في المعرفة : إنه إسناده صحيح ، انتهى .

قوله : ( والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم إلخ ) قال في النيل : وقد استدل بهذه الأحاديث -أي بحديث عمار بن ياسر المذكور في الباب وما في معناه كأحاديث الأمر بالصوم لرؤية الهلال وكأحاديث النهي عن استقبال رمضان بصوم على المنع من صوم يوم الشك .

قال النووي : وبه قال مالك والشافعي والجمهور ، وحكى الحافظ في الفتح عن مالك وأبي حنيفة أنه لا يجوز صومه عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك . قال ابن الجوزي : ولأحمد في هذه المسألة وهي إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو غيره ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال :

أحدها : يجب صومه على أنه من رمضان .

وثانيها : لا يجوز فرضا ولا نفلا مطلقا ، بل قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة .

ثالثها : المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر .

وذهب جماعة من الصحابة إلى صومه منهم علي وعائشة وعمرو بن عمر وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وأبو هريرة ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم وجماعة من التابعين . واستدل المجوزون لصومه بأدلة ، ثم ذكرها الشوكاني وتكلم عليها وليس فيها ما يفيد مطلوبهم ثم قال : قال ابن عبد البر : وممن روي عنه كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعمار وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك ، ثم قال : والحاصل أن الصحابة مختلفون في ذلك ، وليس قول بعضهم بحجة على أحد والحجة ما جاءنا عن الشارع وقد عرفته . قال : وقد استوفيت الكلام على هذه المسألة في الأبحاث التي كتبتها على رسالة الجلال ، انتهى .

( ورأى [ ص: 299 ] أكثرهم إن صامه ) أي صوم يوم الشك ( وكان من شهر رمضان أن يقضي يوما مكانه ) لأن الذي صام يوم الشك لم يصم صوم رمضان على اليقين ، وإن ظهر بعد أنه كان من رمضان فلا بد له من أن يقضي يوما مكانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية