صفحة جزء
باب ما جاء في الغسل من الجنابة

103 حدثنا هناد حدثنا وكيع عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن خالته ميمونة قالت وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا فاغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء بشماله على يمينه فغسل كفيه ثم أدخل يده في الإناء فأفاض على فرجه ثم دلك بيده الحائط أو الأرض ثم مضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض على رأسه ثلاثا ثم أفاض على سائر جسده ثم تنحى فغسل رجليه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن أم سلمة وجابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة
( باب ما جاء في الغسل من الجنابة ) قال الجزري في النهاية : الجنب الذي يجب عليه الغسل بالجماع أو خروج المني ، ويقع على الواحد والاثنين ، والجمع والمؤنث بلفظ واحد ، وقد يجمع على أجناب وجنبين وأجنب يجنب إجنابا - والجنابة الاسم - وهي في الأصل البعد ، وسمي الإنسان جنبا; لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر ، وقيل لمجانبته الناس حتى يغتسل . انتهى . وفي القاموس : الجنابة المني ، وقد أجنب وجنب وجنب وجنب وأجنب واستجنب ، وهو جنب بضمتين يستوي للواحد والجمع . انتهى .

( عن سالم بن أبي الجعد ) الأشجعي الكوفي ، ثقة من رجال الكتب الستة ، وكان يرسل كثيرا من الثالثة ، مات سنة 97 سبع أو ثمان وتسعين وقيل مائة أو بعد ذلك ، ولم يثبت أنه جاوز المائة .

( عن كريب ) بالتصغير هو ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني أبو رشدين مولى ابن عباس ثقة من الطبقة الوسطى من التابعين ، روى عن مولاه ابن عباس وعائشة وأم هانئ ، وعنه أبو سلمة وبكير بن الأشج وموسى بن عقبة ، وثقه النسائي ، مات سنة ثمان وتسعين .

( عن خالته ميمونة ) بنت الحارث العامرية الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها سنة سبع وتوفيت بسرف حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما بين مكة والمدينة ، وذلك سنة 51 إحدى وخمسين .

[ ص: 296 ] قوله : ( وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا ) بضم الغين وسكون السين أي ماء الاغتسال ، وفي رواية البخاري وغيره وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء للغسل ( فاغتسل ) أي أراد الاغتسال ( من الجنابة ) " من " سببية أي لأجل الجنابة ( فأكفأ الإناء ) أي أماله ، قال في النهاية يقال كفأت الإناء وأكفأته إذا كببته وإذا أملته ، وقال في القاموس أكفأ أمال وقلب ( فغسل كفيه ) يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر ، ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم وهو الراجح ، يدل عليه قول ميمونة ثم أدخل يده في الإناء ، وقول عائشة في حديثها الآتي فغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء .

( فأفاض على فرجه ) أي صب الماء عليه وغسله ، وفي رواية للبخاري وغسل فرجه وما أصابه من الأذى ، وفي رواية أخرى له فغسل مذاكيره ثم دلك بيده الحائط أو الأرض ، شك من الراوي ، وفيه دليل على استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو التراب بعد الاستنجاء ( فأفاض على رأسه ثلاثا ) ظاهره يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم لم يمسح رأسه كما يفعل في الوضوء ، قاله ابن دقيق العيد ، وقال الحافظ في الفتح : ولم يقع في شيء من طرق هذا الحديث التنصيص على مسح الرأس في هذا الوضوء وتمسك به المالكية ، لقولهم : إن وضوء الغسل لا تمسح فيه الرأس بل يكتفي عنه لغسلها . انتهى .

( ثم أفاض على سائر جسده ) أي أسال الماء على باقي جسده . قال في القاموس : السائر الباقي لا الجميع كما توهم جماعات ، وقد يستعمل له ، ومنه قول الأحوص :

فجلتها لنا لبابة لما وقذ النوم سائر الحراس وقال الجزري في النهاية : والسائر مهموز الباقي والناس يستعملونه في معنى الجميع وليس بصحيح ، وقد تكررت هذه اللفظة في الحديث وكلها بمعنى باقي الشيء . انتهى .

قلت : قد وقع عند البخاري في حديث عائشة من طريق مالك عن هشام عن أبيه عنها ثم يفيض الماء على جلده كله . قال الحافظ هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل بعد ما تقدم . انتهى . ووقع في حديثها من طريق عبد الله عن هشام عن أبيه ثم غسل سائر جسده ، قال الحافظ أي بقية جسده ، قال فيحتمل أن يقال : إن سائر هنا بمعنى الجميع جمعا بين الروايتين . انتهى .

( ثم تنحى ) أي تحول إلى ناحية ( فغسل رجليه ) وفي رواية للبخاري عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 297 ] قالت : توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه الحديث ، وفيه ثم نحى رجليه فغسلهما هذه غسلة من الجنابة .

قال الحافظ تحت هذه الرواية : فيه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل إلى آخره ، وهو مخالف لظاهر رواية عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء . الحديث ، ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة على المجاز بأن المراد يتوضأ أكثر الوضوء كما يتوضأ للصلاة وهو ما سوى الرجلين وبحمله على حالة أخرى وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء : فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل ، وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم ، وعند الشافعية في الأفضل قولان : قال النووي : أصحهما وأشهرهما ومختارهما أنه يكمل وضوءه ، قال لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك . قال الحافظ : كذا قال النوري وليس في شيء من الروايات عنهما التصريح بذلك ، بل هي إما محتملة كرواية توضأ وضوءه للصلاة أو ظاهرة في تأخيرهما كرواية أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة . الحديث . وفي آخره ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه ، وله شاهد من رواية أبي سلمة عن عائشة أخرجه أبو داود الطيالسي بلفظ : فإذا فرغ غسل رجليه ، ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة ، أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب ، وراويها مقدم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش . انتهى كلام الحافظ ملخصا .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة .

قوله : ( وفي الباب عن أم سلمة وجابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة ) أما حديث أم سلمة فأخرجه ابن ماجه عنه قال : قلت : يا رسول الله إنا في أرض باردة فكيف الغسل من الجنابة؟ فقال صلى الله عليه وسلم : أما أنا فأحثو على رأسي ثلاثا .

وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أيضا ابن ماجه عنه أن رجلا سأله عن الغسل من الجنابة فقال ثلاثا ، فقال الرجل إن شعري كثير ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر شعرا منك وأطيب .

وأما حديث جبير بن مطعم فأخرجه أيضا ابن ماجه عنه قال : تماروا في الغسل من الجنابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف ، وأخرجه أيضا البخاري ومسلم والنسائي .

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه عنه بلفظ : سأله رجل كم أفيض على رأسي وأنا جنب؟ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثو على رأسه [ ص: 298 ] ثلاث حثيات ، قال الرجل إن شعري طويل ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر شعرا منك وأطيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية